وقال الشارح رحمه الله تعالى: [وقال الحافظ رحمه الله: هو كالتوطئة للوصية، ليجمع همته عليها.
قوله:(فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله)(شهادة) رفع على أنه اسم (يكن) مؤخر، و (أول) خبرها مقدم، ويجوز العكس.
وقوله: وفي رواية: (إلى أن يوحدوا الله) هذه الرواية ثابتة في كتاب التوحيد من صحيح البخاري، وأشار المصنف بذكر هذه الرواية إلى التنبيه على معنى شهادة ألا إله إلا الله، فإن معناها توحيد الله تعالى بالعبادة ونفي عبادة ما سواه.
وفي رواية:(فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله)، وذلك هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، كما قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا}[البقرة:٢٥٦]، والعروة الوثقى هي (لا إله إلا الله)].
قوله:[العروة الوثقى هي: لا إله إلا الله] يعني: ما دلت عليه واقتضته.
ومعلوم أنها تدل على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: الإسلام كله، وليس المعنى أنه من قالها فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولو لم يعمل، فإن هذا لا يفيد، ولهذا سيأتي أن القتال لا يكف عمن قالها إذا لم يعمل بفرائض الإسلام وشرائعه، فلو قال:(لا إله إلا الله) وهو لا يصلي، ولا يؤدي الزكاة، ولا يصوم، ولا يمتثل ذلك، ولا يحج فإنه يقاتل حتى يمتثل أمر الإسلام، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها).
يعني: بحق (لا إله إلا الله)، وكل الإسلام حق لها، لأن معناها الانتقال من دين إلى دين آخر، أي: ترك الدين الذي يكون عليه الإنسان والدخول في دين الإسلام، وهذا ما كان يفهمه الكفار تماماً، ولهذا مر معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل على عمه أبي طالب وهو في مرض الموت قال له صلى الله عليه وسلم:(يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج بها لك عند الله؟) فقال له جلساء السوء الكفار الذين عنده: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فهو يعلم أنه إذا قال هذه الكلمة خرج من ملتهم ودخل في ملة جديدة، وهي التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي يجعلها العروة الوثقى، كون الإنسان يترك جميع الكفر والشرك ويتباعد عنه ويقبل على عبادة الله وطاعته وامتثال ما جاء به، وهذا هو العروة الوثقى.