للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان أن المستهزئين كانوا مؤمنين ثم كفروا]

قال الشارح رحمه الله: [قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد أمره الله تعالى أن يقول لهم: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٦]، وقول من يقول: إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً بقلوبهم لا يصح؛ لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم؛ لأنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، ونريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم، وهم مع خواصهم ما زالوا كذلك، ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين].

أي: أن حديثهم هذا الذي وقع بعضهم مع بعض ليس مع غيرهم، فلا يقال: إنهم أظهروه للناس؛ لأن هذا شأنهم دائماً في جميع حالاتهم، وإن كان حضرهم من حضرهم كـ عوف بن مالك وأنكر عليهم، وإنما كانوا يتحدثون بعضهم مع بعض.

قال الشارح رحمه الله: [وقال رحمه الله في موضع آخر: فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنما تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل إنما كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدراً بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعه أن يتكلم بهذا الكلام، والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه، كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:٤٧ - ٥١]، فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا، فبين أن هذا من لوازم الإيمان.

انتهى].

قال الشارح رحمه الله: [وفيه بيان أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها، أو عمل يعمل به، وأشدها خطراً إرادات القلوب، فهي كالبحر الذي لا ساحل له، ويفيد الخوف من النفاق الأكبر، فإن الله تعالى أثبت لهؤلاء إيماناً قبل أن يقولوا ما قالوه، كما قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه.

نسأل الله السلامة والعفو والعافية في الدنيا والآخرة].