قال المصنف رحمه الله تعالى:[باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب].
أي: بلا عذاب، والتوحيد هو أن يكون العمل موحداً لله جل وعلا، وألا يكون لأحد فيه شيء، والتوحيد حق الله جل وعلا الذي أوجبه على عباده بأن يكون خالصاً لله جل وعلا، ويكون التوحيد أيضاً فيما يخص الله جل وعلا من الأسماء والصفات والأفعال، فيجب أن يوحد الله جل وعلا في أمور ثلاثة: الأول: في حقه الذي أوجبه على عباده، بأن يُجعل واحداً لله جل وعلا، ولا يوزع بين الله وبين مقاصد أخرى.
الثاني: أن يوحد الله جل وعلا بخصائصه من أوصافه وأسمائه التي اختص بها فسمى بها نفسه أو سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يوحد فيها وألا يشرك معه أحد من الخلق في ذلك.
الثالث: أن يوحد في أفعاله وملكه الذي يفعله ويملكه، فالملك كله لله وحده، والفعل الذي يفعله من الخلق والإحياء والإماتة وغير ذلك يكون خاصاً به، ولا يجوز أن يُلحق به غيره من الخلق.
وهذه الأمور الثلاثة دل عليها القرآن في مواضع متعددة, وكذلك دعوات الرسل كلها التي قصها الله جل وعلا علينا دلت على ذلك، فيجب أن يوحد الله جل وعلا في هذه الأمور، وأن يحقق التوحيد، وتحقيقه أن يؤتى بحقائقه، وحقائقه تتطلب العلم به والاطلاع عليه ثم العمل به، ويلزم من ذلك أن يخلص من جميع شوائب الدواخل التي قد تدخل عليه من الرياء والمقاصد التي لا يراد بها الله جل وعلا، وكذلك يلزم من ذلك اجتناب المعاصي والبدع، فإذا وجدت هذه الأمور فصاحبها من الذين يسبقون إلى الجنة بغير حساب ولا عذاب، فهذه هي حقيقة تحقيق التوحيد، أن يأتي به الإنسان عالماً بحقائقه مطلعاً عليها، ثم يتحلى بها عملاً وعلماً، ثم يلزم منه أن يجتنب جميع شوائب الدواخل من المعاصي والبدع وغيرها؛ لأن من حقق التوحيد انجذب بكليته إلى الله فأصبح يحبه الحب كله، وأصبح يوافق أمره موافقة لا ينفك عنها، ولا يجد في نفسه مخالفة لأمر الله جل وعلا، ويكره كل ما نهاه الله عنه أشد كراهة، فمن حقق التوحيد كان بهذه المثابة، ولهذا تحقيق التوحيد صار عزيزاً في الناس، وإن كان في صدر هذه الأمة موجوداً بكثرة، ولكنه فيما بعد أصبح قليلاً، ومن تحلى بذلك فهو لا يحاسب ولا يعذب، ويكون من السبعين ألفاً الذين يسبقون إلى الجنة بغير حساب ولا عذاب.