للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة النشرة ومعناها]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قال الحسن: النشرة من السحر، وقد نشرت عنه تنشيراً، ومنه الحديث: (فلعل طباً أصابه)، ثم نشره بـ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١] أي: رقاه.

وقال ابن الجوزي: النشرة: حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر].

وحل السحر لا يعرفه إلا الساحر ولهذا منع منه.

وسبق أن الساحر يكون بسحره مطيعاً للشيطان؛ لأن السحر لا يكون إلا بواسطة الشياطين، يعني: يطيعهم ويعبدهم، فالشيطان لا يطيع الإنسان إلا إذا عبده، وهذا من الاستمتاع الذي ذكر الله جل وعلا أنهم يوم القيامة يقولون: {ربنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لنا} [الأنعام:١٢٨] الاستمتاع: هو أن ينتفع أحدهم بالثاني، الإنسي ينتفع بالشيطان الجني بشيء ينفعه في الدنيا من أخذ مال أو إمراض عدو له أو ما أشبه ذلك، والجني يستمتع من الإنسي بطاعته وعبادته والسجود له وتقديم القرابين له وما أشبه ذلك، وهذا لابد أن يحصل من الساحر.

وهذا الاستمتاع الذي يحصل من بعضهم لبعض من الأمور المحرمة، فحل السحر الذي هو إبطاله عن المسحور يكون من ساحر مثله، ولابد أن يكون شيطان الساحر الذي يحله أقوى من شيطان الساحر الأول الذي وضع السحر فيستولي عليه ويبطل سحره.

أما إذا كان شيطانه ضعيفاً فإنه لا يستطيع أن يحل السحر؛ لأن ذلك الشيطان يغلبه، فالشياطين بعضها أغلب من بعض، هذا هو معنى حل السحر، وبهذا يعلم أنه من المحرمات؛ لأن السحر لا يجوز تعاطيه على أي حال من الأحوال، فهو من الموبقات كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قرين الشرك، وقرين قتل النفس فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات، فلما سئل عنها؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر) إلى آخر الحديث.

النشرة من عمل الشيطان قال المصنف رحمه الله: [عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة؟ فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أحمد بسند جيد وأبو داود، وقال: سئل أحمد عنها؟ فقال: ابن مسعود يكره هذا كله].

(هي من عمل الشيطان)؛ لأنها من السحر، وإذا كان الشيء من عمل الشيطان فهو محرم ولا يجوز للمسلم أن يطيع الشيطان أو أن يعمل عملاً يرضيه.

وأما قول أحمد: إن ابن مسعود كان يكره ذلك كله، فهذا من ورع الإمام أحمد رحمه الله، فإنه كان كثيراً إذا سئل عن مسألة يتحاشى أن يقول: هذا حرام، وهذا حلال؛ خوفاً من أن يقع في شيء خلاف الواقع، وقد قال الله جل وعلا: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:١١٦].

فقول الحلال والحرام كان صعباً عند السلف، ولهذا كان يعبر بالعبارات التي تدل على ورعه.

والكراهة في لسان السلف المقصود بها التحريم، كقوله جل وعلا: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:٣٨] مكروهاً يعني: محرماً.

أما الكراهة التي أطلق عليها المتأخرون: كراهة تنزيهية فهذه لم تكن معروفة عند السلف، بل كانوا إذا قالوا: هذا مكروه، فمعناه عندهم: أنه محرم.

فقوله: ابن مسعود يكره هذا كله، يعني: أنه يرى أن هذا كله محرم، يعني: جميع النشرة التي يكون فيها تعاطي شيء من السحر، فكل هذا يكون محرماً، وابن مسعود من علماء الصحابة وفضلائهم وسابقيهم إلى الإسلام كما هو معلوم.

قال الشارح رحمه الله: [هذا الحديث رواه أحمد، ورواه عنه أبو داود في سننه، والفضل بن زياد في كتاب المسائل، عن عبد الرزاق عن عقيل بن معقل بن منبه، عن عمه وهب بن منبه، عن جابر فذكره.

قال ابن مفلح: إسناد جيد وحسن، وحسن الحافظ إسناده، قوله: (سئل عن النشرة)، الألف واللام في النشرة للعهد أي: النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها، هي من عمل الشيطان.

قوله: وسئل أحمد عنها؟ فقال: ابن مسعود يكره هذا كله، أراد أحمد رحمه الله: أن ابن مسعود يكره النشرة التي هي من عمل الشيطان، كما يكره تعليق التمائم مطلقاً].