للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كفارة اليمين]

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على شيء فأرى غيره خيراً منه إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير)، وهكذا ينبغي للإنسان إذا حلف أن يفعل شيئاً فتبين له أن فعله ليس حسناً، بل تركه أحسن؛ فينبغي أن يكفر عن يمينه ولا يفعله.

فكل ما فيه خير وحلف على الامتناع منه فعليه أن يكفر ويفعله، وإن حلف على أن يفعل شيئاً فرأى أن تركه خير، فعليه أن يكفر عن يمينه ولا يفعله، وكفارة اليمين جاءت منصوصاً عليها في كتاب الله جل وعلا أنها إطعام عشرة مساكين {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:٨٩]، ومعنى (من أوسط ما تطعمون) أي: من خير ما تطعمون أهليكم؛ لأن الوسط في اللغة العربية الخيار كقوله: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣] يعني: خياراً، فالمراد من الشيء الحسن الذي تأكلون منه وترضونه وتطعمون منه أهليكم، وإطعام عشرة مساكين بأن يعطى كل مسكين نصف صاع، ولو صنع طعاماً ودعا إليه عشرة مساكين كفى ذلك، وصار كفارة، هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة:٨٩] والكسوة كما يقول العلماء: إنها الشيء الذي تصح به الصلاة، فلا يلزم أن يكسوه الكسوة الكاملة كلها، فله أن يكسوه قميصاً وسراويل أو قميصاً وعمامة، وما أشبه ذلك، وإن لم يفعل هذا انتقل للأمر الذي هو خير منه وأفضل وهو إعتاق رقبة، فهذه الأمور الثلاثة رتبها الله جل وعلا، بدأ بالأسهل ثم ما هو أحسن وأعلى، ثم ما هو أعلى، فالأسهل الإطعام، والكسوة أفضل وأعلى، ولكنها أغلى، وإعتاق الرقبة أغلى من الجميع، وهذه الأمور الثلاثة يخير فيها الإنسان، فيختار أي واحدة شاء من هذه الثلاثة، فإن لم يجد انتقل إلى الصيام، ولا يجزيه الصيام وهو يجد الكفارة؛ ولهذا قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:٨٩]، فشرط الصيام عدم الوجود، وكثير من الناس يبدأ بالصيام رأساً وإن كان واجداً للكفارة، وهذا لا يجزي، بل لابد أن يبدأ بما بدأ الله جل وعلا به، فإن لم يجد شيئاً من الثلاثة انتقل إلى الصيام.