للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سد النبي عليه الصلاة والسلام لكل طريق يوصل إلى الشرك]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك].

المراد بجناب التوحيد جوانبه التي قد يدخل منها الشرك، أو شيء من أنواع الشرك، والحماية هي الصيانة والاعتناء، بأن يمنع كل وسيلة قد تكون موصلة إلى ما لا يجوز، وهذا شيء كثر ذكره في نصوص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم بعضه، ولكن أراد المؤلف أن يبين في هذا الباب أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتنى بذلك اعتناء تاماً، واستدل على هذا بأمور متعددة: منها ما ذكره الله عنه من رأفته ورحمته وحرصه على هداية الناس، ومنها نصوص تدل على أنه صلى الله عليه وسلم صان توحيد عبادة الله جل وعلا أن يتلبس به بعض أمراض القلوب أو أمراض الشكوك، فأصبح الأمر واضحاً جلياً، ولا عذر لمن وقع في خلاف ذلك.

والمقصود من هذا أن يبين ما عليه كثير من الناس ممن يزعم مشروعية التعلق بالأموات، والتبرك بالقبور والبقع، والتوسل بالأحياء أو الأموات؛ التوسل الذي يعرفه المتأخرون ويصطلحون عليه، لا التوسل الذي ذكره جل وعلا في كتابه، وذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في سننه فإنه نوع آخر غير التوسل الذي اصطلح عليه المتأخرون، فهذا الذي اصطلح عليه المتأخرون هو أن يجعل المخلوق وسيلة بذاته إلى الله، بأن يجعل جاهه وعمله الزاكي عند الله ينفع به هذا المتوسل، أو يقسم به على الله، وما أشبه ذلك من معاني المتأخرين الذين ما عرفوا حقيقة التوسل الذي جاء في الكتاب والسنة، فلا عذر لهم في ذلك؛ لأنهم تركوا ما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة، واتبعوا أهواءهم في ذلك؛ ولهذا تجد كثيراً من الناس يترك النصوص الواضحة الظاهرة ويتعلق بشبه، أو يتعلق بأحاديث موضوعة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يتعلق بمنامات ومرائي رآها في النوم أو رؤيت، أو يتعلق بأمور يزعم أنها مجربة، يقول: إن فلاناً دعا بكذا، وإنه ذهب إلى كذا، وحصل له كذا وكذا، وهذه كلها لا تغني شيئاً، وإنما الذي يعتمد عليه هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاله آمراً به أمته أو ناهياً لها أن تفعله.

هذا الذي يجب أن يؤخذ ويجب أن يعتنى به، أما ما عليه هؤلاء من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الاعتماد على الرؤى، أو الاعتماد على أقوال بعض الذين يزعمون أنهم حصل لهم ما حصل، فهذا كله لو تعلق به الإنسان فإنه غير معذور، والله سائله عما أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا عن المرائي ولا عن فعل الناس ولا عن شيء عدا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي سيسأل عنه الإنسان، فإن الله سيسأل المتقدمين والمتأخرين: ماذا أجبتم المرسلين؟ والسؤال للتهديد، والتعذيب بعد ذلك.

فإذا كان الإنسان لم يقدم عملاً وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم متبعاً قوله، منتهياً عن نهيه وإلا فهو هالك، فالحماية في هذا يقصد بها أمر زائد على الأوامر التي تأمر بالتوحيد، وتنهى عن الشرك، فهي أمور زائدة على ذلك، كالنهي عن الوسائل التي تقرب من الشرك، كالنهي عن أمور قد يفعلها الإنسان وهي جائزة ولكن قد يدخل منها إلى أمور لا تجوز، وهي التي تسمى بالوسائل والذرائع، وهذا موجود في كتاب الله وفي أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم بكثرة، وسيذكر الشارح شيئاً من ذلك.