للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث ثوبان (إن الله زوى لي الأرض)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولـ مسلم عن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة بعامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً) ورواه البرقاني في صحيحه وزاد: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى)].

هذا الحديث كل جملة منه علامة وآية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم تدل على صدقه، وعلى أنه نبي جاء من عند الله جل وعلا، والأدلة على ذلك كثيرة جداً، والفائدة في مثل هذا أن الإنسان يزداد إيماناً وتصديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ويقيناً بأنه جاء من عند الله، كلما زادت الآيات زاد إيمانه بذلك، فالذي ينبغي لمن يقرأ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته أن يزداد دائماً إيماناً ويقيناً بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وهو الذي جاء بالهدى، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، وأن كل ما أخبر به حق، وأن ما خالفه باطل مهما كان.

هذا الحديث سيق لأجل الرد على من يزعم أن الشرك لا يقع في هذه الأمة بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول أو هذا الزعم حدث من أناس جهال في الواقع، جهلوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما جهلوا حق الله الذي أوجبه عليهم، فزعموا أن من قال: لا إله إلا الله فذلك يكفيه وإن عبد القبور، وطاف عليها، واستنجد بأصحابها، واستغاث بهم، فإنه لا يؤثر عندهم، فجاءوا بالمتناقضات؛ لأنهم لم يعرفوا التوحيد ولم يعرفوا حق الله عليهم، ولم يعرفوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءوا بالمتناقضات، قالوا: من قال: لا إله إلا الله لا يقع منه الشرك، وزعموا أن مجرد النطق بهذه الكلمة كافٍ، وزعموا أن هذا هو معنى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).

فلم يفهموا قوله: (يبتغي بذلك)، ولم يفهموا معنى لا إله إلا الله، وما علموا أن هذه الكلمة تهدم كل الشرك دقيقه وجليله وتبطله، وأن المشركين لما قيل لهم: قولوا: لا إله إلا الله فهموا ذلك، وعرفوا أن هذا يبطل مذهبهم وعبادتهم فقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص:٥]، فتحصل بهذه الكلمة التأله والعبادة لله وحده تعالى وتقدس، فهؤلاء لما جهلوا هذه الأمور الواجبة على كل إنسان جاءوا بالمتناقضات.

والمشكلة أن لهم أتباعاً كثر، وأن كثيراً من الناس ينظر إليهم، ويقتدي بهم، فصاروا قدوة، وصاروا يعادون كل من جاء بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ويريد أن ينقذ الناس من الهلكات ومن الشرك الذي وقعوا فيه، فيرمونه بتنقص الرسول وبغضه، وأنه شاذ، وخارج عن الأمة، وأنه يكفر الأمة، وما أشبه ذلك من العظائم التي يرمون بها من كان مقتفياً آثار الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدعو بدعوته؛ وذلك لجهلهم وظلمهم وعنادهم واستكبارهم على الحق، ومن هنا تستحكم المصائب والبلايا، ويصبح كثير من الناس مغتراً بهم، فيتابعونهم، والواقع يشهد لهذا.

هذا الحديث والآيات التي ذكرها المؤلف في أول الباب والحديث هو حديث أبي سعيد - دليل على جهل هؤلاء، وبطلان دعواهم.