[مسائل باب من الشرك الاستعاذة بغير الله]
قال المصنف رحمه الله: [فيه مسائل: الأولى: تفسير آية الجن].
آية الجن هي: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦] وقد مر معناها.
[الثانية: كونه من الشرك].
يعني: أن الاستعاذة بالجن من الشرك، هذا هو المقصود، وكذلك بقية المخلوقات، والاستعاذة بالأموات أعظم من ذلك؛ لأن الأموات لا يملكون أي تصرف، وليس عندهم سماع لما يقال، ولا غير ذلك.
[الثالثة: الاستدلال على ذلك بالحديث؛ لأن العلماء يستدلون به على أن كلمات الله غير مخلوقة، قالوا: لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك].
أي: أن كلمات الله من صفاته، وأنه لا يجوز الاستعاذة بمخلوق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الاستعاذة بالمخلوق شرك.
إذاً: تكون الاستعاذة بكلماته، وكلماته من صفاته، والاستعاذة بها استعاذة بكتابه.
[الرابعة: فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره].
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يضره شيء)، وهذا فضل عظيم ينبغي للإنسان أن يحفظ هذا الدعاء، وألا يخل به، وأن يصدق مع الله في ذلك.
أما الاستدلال بأن كلمات الله جل وعلا غير مخلوقة فأمر واضح، وكان هذا في وقت ظهرت فيه الزنادقة الذين أرادوا أن يفسدوا عقائد المسلمين، فلبسوا على الناس بأمور مركبة يزعمون أنها عقلية، وأنها أدلة برهانية ثم استطاعوا أن يصلوا إلى خلفاء المسلمين، وأن يكونوا هم الذين يوجهونهم، فزينوا لهم دعوة الناس إلى ذلك، بل إرغام الناس على هذا، فحصل من الفساد ومن القتل وسفك الدماء من جراء ذلك ما هو في الواقع عار إلى الآن في تاريخ أولئك، حتى أنهم زينوا لبعض الخلفاء أن يكتب على ستار الكعبة: ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم، فراراً من قوله: (وهو السميع البصير)؛ لأنهم لا يثبتون الصفات لله جل وعلا، وكانوا يقولون: لو نستطيع أن نحك بعض الآيات من المصحف لحككناها، وسلطوا على المسلمين ما يسمونه عقلاً، وهو في الواقع جهل، وقتل من قتل من كبار العلماء من جراء ذلك.
وصارت لهم مقالات معينة، ووضعوا أصولاً خمسة وضعوا عليها دينهم بدلاً من الأصول التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وهذه هي أصول المسلمين التي بنوا عليها دينهم، أما هم فجاءوا بأصول أخرى غير هذه، ومن أين أتوا بها؟ لم يأتنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما لبسوا على الناس، وجاءوا بأمور من عقولهم، وتلك فتنة ذهبت ولا ينبغي بحثها.
[الخامسة: أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية -من كف شر أو جلب نفع- لا يدل على أنه ليس من الشرك].