[المسألة السادسة: أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنى قول (لا إله إلا الله)، وتبين لك خطأ المغرورين].
حديث عتبان قوله:(من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، فقيد قول (لا إله إلا الله) بابتغاء الوجه، أما حديث عبادة الذي فيه:(من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) إلى آخره فلم يقيد ذلك، بل جاء مطلقاً، فاغتر كثير من الناس بأن كل قائل لهذا الكلام إذا قاله صدق عليه الوعد الذي وعد بآخره:(أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، ولو كان لا يصلي، ولو كان لا يزكي، ولو كان يعمل الفجور، بل ولو كان يطوف بالقبور، هكذا يقولون، وهؤلاء هم المغرورون الذين قصدهم بقوله:(وليتبين لك خطأ المغرورين)، وهذا القول يقصد به البراءة من الشرك والبعد عن المشركين ومعاداتهم، وأنه ليس منهم لا في المكان ولا في القصد والعمل، ولا في المحبة والإرادة، بل هو مفارقٌ لهم مكاناً، مبغضٌ لهم عقيدة، منافح ومكافح لشركهم، وداعٍ إلى الله جل وعلا، ولا بد أن يكون على هذا؛ لأن قوله في حديث عتبان:(يبتغي بذلك وجه الله) قيد هذا كله؛ لأنه لا بد من الإخلاص في ذلك، فلا بد أن يكون مخلصاً، والذي يعمل شيئاً من المعاصي إما أن يكون عمله ناتجاً عن قلة إيمانه وبعده الذي يقتضي أنه لم يحقق التوحيد، أو يكون مبطلاً لقوله بالكلية، بمعنى أنه لا بد أن يكون قد نقص قوله أو أبطله، فإذا كان مجرد معصية فهو منقص لقوله:(لا إله إلا الله)، أما إذا كان شركاً فإنه يكون مبطلاً لقوله؛ لأن التوحيد لا يجامع الشرك، فلا يجتمع توحيد وشرك في إنسان؛ لأن الشرك مبطل لجميع الأعمال، قال الله جل وعلا:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:٦٥]، والخطاب لسيد الخلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليتبين للإنسان عظم هذا الأمر، ولما ذكر أصفياءه وأنبياءه قال:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:٨٨]، وهم الرسل، فإذاً معنى هذا أنه لا بد للإنسان أن يكون مخلصاً عمله لله جل وعلا، متبرئاً من الشرك تاركاً له قصداً، وليس بدون قصد، بل بالقصد والفعل، فيتركه ويتبرأ منه ويبتعد عنه.
[المسألة السابعة: التنبه للشرط الذي في حديث عتبان].
الشرط هو قوله:(يبتغي بذلك وجه الله)، وكرر ذلك للاهتمام به؛ لأنه مهم جداً، وهو الذي يقول: إنه يبين خطأ المغرورين.