[ذكر أن الجهل باللغة العربية من أسباب الوقوع في الشرك]
من المعلوم لدى كل مسلم أن الله جلَّ وعلا خلق خلقه ليعبدوه، وهذا أصل يعلمه المسلمون جميعاً؛ ولكن بعض المسلمين يجهل تفاصيل العبادة، ويجهل كذلك تفاصيل معنى (الإله).
والسبب في هذا: الجهل باللغة العربية؛ لأن ربنا جلَّ وعلا أنزل كتابه بهذه اللغة، كما أنه أرسل رسوله عربياً؛ فصار من المبادئ التي هي مُسَلَّمة ولا ينازع فيها أحد من العلماء أن تعلُّم اللغة العربية أمر واجب ضروري؛ لأن الدين الإسلامي لا يُفهم إلَّا بها، وليس معنى (اللغة العربية) أن يخاطب الناسَ اليوم باللغة العربية، إنما المقصود باللغة العربية: أن يعرف لغة القرآن، ويعرف معاني القرآن؛ لأن اللغة العربية هي لغة القرآن، فإذا خاطبه الله جلَّ وعلا بشيء فَهِمَه؛ وإذا خاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء فَهِمَه، وإذا سمع آية من كتاب الله فهمها ولو لم يفهم جميع ما أُريد بهذه الآية، ولكن يفهم الخطاب العام الذي يفهمه العربي، هذا هو المقصود، وإلَّا فكتاب الله اشتمل على علوم عظيمة وكثيرة، ولا يزال كتاب الله طرياً، والآية الواحدة يستخرج منها الإنسان أحكاماً كثيرة؛ لأن كلام الله ينطوي على أسرار وعلوم وأشياء عظيمة، ولهذا يتفاوُت العلماء بتفاوُت معرفتهم لمعاني كلام الله.
فالمقصود: أن يعرف ظاهر الخطاب، فيعرف -مثلاً- معنى (الإله) معنى (الرب) معنى (الله) معنى (الصلاة) معنى (الصوم)، وهكذا، ويعرف الشيء الذي يخاطبه الله جلَّ وعلا به.
فإذا صرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله، فقيل له: هذا توسل أو هذا تقرب إلى الولي أو هذا تشفع أو ما أشبه ذلك، فإن كان يجهل اللغة العربية فسوف يجهله، وينطوي عليه، ويظنه مما يقربه إلى الله.
ومن المعلوم أيضاً بين المسلمين عموماً أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بدعوة الناس إلى ترك جميع من يُتَعلَّق به في العبادة، وجعل العبادة لله وحده، وكان يقول للناس:(قولوا: (لا إله إلَّا الله) تفلحوا) ويقول لهم: (أمرت أن أقاتل الناس) وهو لم يؤمر بالقتال إلَّا لما جاء إلى المدينة، أما قبل ذلك فكان الله جلَّ وعلا يأمره بالصبر والتحمل مع إبلاغ الرسالة والدعوة، يأمره بأن يدعو الناس بالتي هي أحسن، وأن يصبر على الأذى الذي يناله منهم، كما قال له جلَّ وعلا:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النحل:١٢٧] ويكرر له هذا الأمر، ويقص عليه قصص الرسل الذين سبقوه ليتسلى ويتأسى بهم، وكثيراً ما يقص عليه قصة موسى عليه السلام؛ لأن فيها معتبراً عظيماً، ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم إذا أوذي:(رحم الله موسى! لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) فكان يتأسى ويتسلى بذلك.
ولبث صلوات الله وسلامه عليه في مكة يدعو إلى الله جلَّ وعلا وإلى التوحيد أكثر من ثلاث عشرة سنة، ولم يأمر بالقتال، وإنما كان يدعو الناس إلى قول (لا إله إلَّا الله)، وكان العرب فصحاء، نزل القرآن بلغتهم، يعرفون معنى الكلام، فإذا قال لهم:(قولوا: لا إله إلَّا الله) قالوا له: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهَاً وَاحِدَاً}[ص:٥] يقولون: لنا آلهة كثيرة، فإذا قلنا:(لا إله إلَّا الله) لابد أن نتركها وإلا لم يصبح التأله لله وحده.
وكثر الداخلون في الإسلام الواحد بعد الآخر، وكان لا يدخل في الإسلام إلَّا من هو مقتنع تمام الاقتناع، حيث كان يضحي بنفسه وبماله وبأولاده وبأقاربه في سبيل ذلك ولا يبالي، وكان كل من دخل في الإسلام يصير الإسلام عنده أغلى من الأرض ومن عليها من الخلق ومن الأموال ومن المُلك، بل لا يمكن أن يوازيه شيء عنده.