الطواغيت كثيرون جداً، والطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع، ورؤساء الطواغيت خمسة: إبليس لعنه الله، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله، ومن عُبِد وهو راضٍ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، هؤلاء هم رؤساء الطواغيت، فالذي يُعبَد وهو راضٍ من رؤساء الطواغيت، أما ما ذكر من أن النصارى يشركون عند قبر المسيح عيسى صلى الله عليه وسلم؛ فهذا زعم يزعمونه هم، وهو كذب لا حقيقة له؛ لأنهم يزعمون أن عيسى عليه السلام صلب -والصليب خشبات شبه الزائد- وسمرت يداه ورأسه على الصليب، ثم أخذ وقتل على زعم اليهود، ثم بعد ذلك أنزل وقبر، هذا زعمهم وعقيدتهم، وهو كذب قد أبطله الله جل وعلا، وأخبرنا أن اليهود لم يقتلوه وإنما شبه لهم، يعني: وضع شبهه على رجل من اليهود، فقتلوا ذلك اليهودي وصلبوه، فالمقتول رجل يهودي، أما عيسى عليه السلام فقد رفعه الله إليه كما قال الله جل وعلا:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[آل عمران:٥٥]، ومعنى قوله جل وعلا:(إني متوفيك) يعني: منيمك، فعيسى عليه السلام نام ثم رفع كما قال الله جل وعلا في الآية الأخرى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[الزمر:٤٢]، فالنوم وفاة:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[آل عمران:٥٥]، وقال الله في الآية الأخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)) [النساء:١٥٧ - ١٥٨] فهذا الذي يجب أن يعتقد، وجاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ينزل في آخر الزمان إذا خرج المسيح الدجال فيقتله، ويكون نزوله عليه الصلاة والسلام على جناح ملكين من الملائكة، وقال صلى الله عليه وسلم:(اعرفوه فإنه رجل مربوع متوسط، كأن رأسه يقطر ماءً)، كأنه خرج من حمام، وإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، ويضع الجزية، ويقتل الخنزير، ولا يقبل من الناس إلا الإسلام، ويبقى أربعين سنة، ثم يتوفاه الله جل وعلا.
فالمقصود أن قوله: قبر المسيح، هذا على حسب عقيدة النصارى، أما الواقع فالمسيح عيسى عليه السلام ليس له قبر، بل هو مرفوع حي، ولا يزال حياً في السماء ثم ينزل إذا أراد الله جل وعلا ويحكم بهذه الشريعة، فهو من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ينزل ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.