للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة)

قال المصنف رحمه الله: [المسألة الأولى: تفسير قوله تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:٦٧]].

تفسير هذه الآية سبق، وهو قوله جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]، وهذا بعدما ذكر عظم الشرك، فلما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦]، ثم قال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [الزمر:٦٧].

وهذا خطاب لسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} أي: من الأنبياء {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:٦٥]، وهو يدل على أنه ليس بين الإنسان وبين ربه صلة إلا بطاعة الله جل وعلا، فلو قدر أن نبياً من الأنبياء أشرك بالله لحبط عمله، ولأصبح من الخاسرين، وقد حمى الله جل وعلا أنبياءه من ذلك وعصمهم، وإنما ذكر هذا ليعلم المشرك شيئاً من عظمة الله.

قال: ((وما قدروا الله)) يعني: ما عرفوا قدر الله وعظمته، ولهذا يقول المفسرون: وما عظموه حق تعظيمه.

قال تعالى: ((والأرض جميعاً قبضته)) القبضة تكون باليد، وتكون داخل اليد، والأرض جميعاً قبضته، يقول ابن عباس رضي الله عنه: تكون الأرض في كف الرحمن كخردلة في كف أحدكم.

ولله المثل الأعلى تعالى وتقدس، فتكون كخردلة صغيرة حقيرة بالنسبة لله جل وعلا.

قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:٦٧]، والله يوم القيامة يقبض الأرض، ويطوي السماء أيضاً بيده الأخرى، فجميع المخلوقات تكون بيديه جل وعلا على سعتها وعظمتها.