[فضل الصحابة]
[المسألة الثانية والعشرون: فضيلة الصحابة في دوكهم تلك الليلة وشغلهم عن بشارة الفتح].
فضائل الصحابة رضوان الله عليهم متوافرة وموجودة، وبنصوص، وفيها رد على من يدعي أن الصحابة كفروا وارتدوا؛ لأن هذه الفضائل هم الذين نقلوها، فلا تثبت لهؤلاء، وإنما تثبت لمن يرى أن الصحابة على الحق، فهم يتمسكون بالحق وأهل حق، أما المرتد فما هو أهل لأن يؤخذ عنه، وليس أهلاً لأن يصدق، فالذي ينقله يكون كذباً، والدين ما يقبل من المرتدين والكفرة، وإنما يقبل من أهل الحق المتمسكين به.
ولا شك أن الثناء على الصحابة رضوان الله عليهم كثير في كتاب الله، كما قال جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:١١٠]، وقوله: {كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣]، وكذلك قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح:٢٩]، وكذلك قوله: {والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:١٠٠].
فهل يقال -مثلاً-: إن الله يثني على قوم وقد علم أنهم يكفرون؟! أو إن الله لا يعلم فيثني على قوم وهم فيما بعد يكفرون ويرتدون، فيبقى ثناء الله على هؤلاء ليس في محله تعالى الله وتقدس؟!.
لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكون فلان هو الخليفة فهل يمكن أحداً أن يمنع هذا، وهم يقاتلون ويبذلون أنفسهم وأموالهم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي طاعته؟ لا أحد يستطيع أن يمنع ذلك أبداً.
أما ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً) ثم ترك ذلك، ثم قال مرة أخرى وقد اشتد مرضه: (ائتوني بكتاب أكتب لكم) فاختلفوا عنده، منهم من يقول: نأتي بالكتاب.
ومنهم من يقول: اشتد مرضه، فكيف يكتب؟! فعند ذلك قال: (قوموا عني، فما أنا فيه خير مما أنتم فيه) يعني الخلاف، فترك الكتاب.
والمقصود بالكتاب أنه يكتب لـ أبي بكر لئلا يقول قائل ويختلف مختلف، كما جاء صريحاً أنه قال لـ عائشة: (ادعي لي أباك وأخاك أكتب لهما كتاباً لئلا يقول قائل أو يدعي مدع)، ثم بعد ذلك قال: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر)، فترك الكتابة، وتركها أولى لما أراد الله جل وعلا، حتى يتفق المسلمون على شيء يرونه بإجماعهم، وحصل ما أخبر عنه صلوات الله وسلامه عليه.
والواجب على المسلم محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عموماً، فيحبهم ويقدرهم ويعظمهم وينزههم عن المطاعن، وأن يعلم أنهم خير الأمة، ما كان في الأمة ولا يكون مثلهم، لا في أول الأمة ولا في آخرها؛ لأن الله أكرمهم بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وبالقتال معه.
أما ما يروى عنهم من مطاعن في كتب التاريخ، وينقله بعض الذين في قلوبهم مرض، فهذه المطاعن التي تروى في كتب التاريخ أو غيرها لا تخلو إما أن تكون كذباً صريحاً، أو يكون لها أصل ولكن زيد فيها وغير الكلام عن مواقعه، أو نقص منها الشيء الذي يبين الصواب.
والواقع منها هم معذرون فيه، مأجورون في فعلهم، والخطأ مغفور لهم؛ لأنهم مجتهدون، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن المجتهد إذا اجتهد وأصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، هذا هو الذي يجب اعتقاده، وهذه عقيدة المسلمين نحو صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.