للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دلالات نصوص الصفات]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قوله: عن ابن عباس قد تقدم، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، وروى عنه أصحابه أئمة التفسير، كـ مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وطاوس وغيرهم.

قوله: ما فَرَقُ هؤلاء؟ يستفهم من أصحابه يشير إلى أناس ممن يحضر مجلسه من عامة الناس، فإذا سمعوا شيئاً من محكم القرآن ومعناه حصل لهم فرق -أي: خوف-، فإذا سمعوا شيئا من أحاديث الصفات انتفضوا كالمنكرين له، فلم يحصل منهم الإيمان الواجب الذي أوجبه الله تعالى على عباده المؤمنين].

يقول هذا لأنه ورد في رواية أنه ذكر الحديث: (إذا جلس الله على عرشه يوم القيامة) فانتفض رجل، ولهذا قال هذا القول، فقال: إنه إذا ورد شيء من هذه الصفات -بناء على هذه الرواية- انتفضوا كالمنكرين.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قال الذهبي: حدث وكيع عن إسرائيل بحديث: (إذا جلس الرب على الكرسي) فاقشعر رجل عند وكيع، فغضب وكيع وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها.

أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب الرد على الجهمية].

كلمة (جلس) هذه لم يرد فيها حديث صحيح، أعني (جلس على الكرسي) أو (على العرش)، وإنما الذي ورد الاستواء، وهو أن الله استوى على عرشه، ويجب أن يقف الإنسان في الصفات على الوارد فقط ولا يتعداه، وإن كان اللفظ الثاني بالمعنى، إلا أن يكون ذلك تفسيراً له، فيفسره بلفظ مرادف له فهذا لا بأس به، فيكون هذا من باب التفسير إذا سأل إنسان: ما معنى الاستواء؟ لأن بعض الناس يجهل معنى الاستواء، فيقال له: معنى الاستواء: الارتفاع عن الشيء، أو العلو عليه، أو الاستقرار عليه، أو الصعود فوقه وكل هذه بمعنى واحد، فليس معنى هذا أنها نصوص يجب أن تقال، ولكن نقول: هذا تفسير للاستواء، فهذا معناه المفهوم في اللغة.

وهكذا إذا قال إنسان: ما معنى السمع؟ تقول: السمع هو إدراك المسموعات وإن دقت.

يدركها جل وعلا ولا تفوته، كما أن البصر إدارك المبصرات، وهكذا، فالسؤال عن معنى الصفة ليس ممنوعاً إذا كان الإنسان لا يعرفها، ولكن الممنوع السؤال عن الكيفية، فالكيفية مجهولة، أما المعنى فهو معروف في اللغة التي خوطبنا بها، ومن جهل المعنى يوضح له ويبين.

ثم إنه لا يجوز أن يثبت شيء لله جل وعلا لم يثبت بالنص، لهذا عند العلماء أن الصفات مأخوذة من القواعد التي قعدوها أخذاً من الكتاب والسنة، وما قعدوا شيئاً من عند أنفسهم، بل قالوا: إنها توقيفية.

أي: إننا نقف معها على النص فقط، فلا نقيس، ولا نبني على العقل ولا على النظر، وإنما نقف على النص فقط.

فهذا هو الطريق، فإذا جاء في كتاب الله جل وعلا أو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب أن نقول به ونصف الله به ونضيفه إلى الله جل وعلا صفة أو اسما، أما إذا لم يصح الحديث فلا يجوز أن نصفه بما في الحديث الضعيف، ولا يجوز أن نثبت به صفة من صفات الله جل وعلا، وكما أنه لا يثبت به حكم من الأحكام التي تتعلق بأفعال المكلفين فكيف يثبت به صفة من صفات الله جل وعلا؟!