للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علماء السوء ومشابهتهم النصارى في تجويز البناء على القبور]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟ أي: الرجل الصالح، فإن عبادته هي الشرك الأكبر، وعبادة الله عنده وسيلة إلى عبادته، ووسائل الشرك محرمة؛ لأنها تؤدي إلى الشرك الأكبر وهو أعظم الذنوب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور؛ فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله)، فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل] هذا الحديث مخرج في الصحيحين، قوله: (في الصحيح) يعني: في الحديث الصحيح، وهو جاء برواية أم سلمة وأم حبيبة زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه القصة ذكرت له في مرض موته صلوات الله وسلامه عليه، فقال هذا القول.

(أنها رأت في كنيسة)، الكنيسة هي معبد النصارى، أي: المكان الذي يتعبدون فيه، فأخبرت أنها رأت فيها تصاوير، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح)، أما قوله: (الرجل الصالح أو العبد الصالح)، فهذا شك من الراوي هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: العبد الصالح أو قال: الرجل الصالح؟ وكلاهما بمعنى واحد، والمعنى أنه إذا مات فيهم الصالح صوروا صورته، ووضعوها للتذكر كما هو في القصة الماضية، والهدف أن تذكر بأعماله فيجتهد كاجتهاده، هذا في الأصل، ثم بعد ذلك كانوا يتبركون به، وربما يكون لإحياء ذكراه وتعظيمه.

والصور إذا صورت وعلقت للتعظيم فهذا من أكبر المحرمات، ومن أكبر وسائل الشرك التي تدعو إليه، فالمقصود أنه أخبر أنهم شرار الخلق عند الله، بسبب هذا الصنيع، وهو اتخاذ التصاوير مع العبادة عندها، ومثل ذلك كون الإنسان يقصد قبراً ويصلي عنده أو يقصد قبراً ويدعو الله عنده، فيكون داخلاً في شرار الخلق، فهذا وجه الدليل من ذلك، وهو واضح.

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (في الصحيح) أي: الصحيحين، قوله: (أن أم سلمة) هي: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي سلمة سنة أربع وقيل: ثلاث، وكانت قد هاجرت مع أبي سلمة إلى الحبشة، ماتت سنة اثنتين وستين.

قوله: (ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والكنسية بفتح الكاف وكسر النون: معبد النصارى.

قوله: (أولئك) بكسر الكاف خطاباً للمرأة.

قوله: (إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح) هذا -والله أعلم- شك من بعض رواة الحديث: هل قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أو هذا؟ ففيه: التحري في الرواية، وجواز الرواية بالمعنى.

قوله: (وصوروا فيه تلك الصور) الإشارة إلى ما ذكرت أم سلمة وأم حبيبة من التصاوير التي في الكنسية.

قوله: (أولئك شرار الخلق عند الله) وهذا يقتضي تحريم بناء المساجد على القبور، وقد لعن صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك كما سيأتي] وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال يقولون: يستحب البناء على القبور، وفيه أجر، ويدعون الناس إلى بذل الأموال في ذلك، وإلى فعل هذا، وهذا في الواقع مصادمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حجة الفاعل الذي يفعل مثل هذا إذا وقف بين يدي الله؟ يقول: غرني فلان! قال لي: إنه يستحب فاتبعته! هذا لا يفيد؛ لأن فلاناً ليس رسولاً، كل إنسان كلف أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، وأن يتعرف على قوله، وإذا جاءه إنسان يقول له: هذا الأمر مستحب أو فيه فضل؛ يقول: ما الدليل من قول الله أو قول رسوله؟ وربما لبس عليه إذا كان ما عنده علم؛ لأن هؤلاء عندهم شبه وزيغ، ويريدون أموراً معينة، فيضلوا الناس بها؛ ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أخوف ما يخاف على أمته جدال منافق عليم بالقرآن، فبين أن المنافق يكون عليم اللسان بالقرآن، ولكنه يكون ضالاً، فلا بد من الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا بد من الاهتمام بذلك، يجب أن يهتم الإنسان بأمر دينه أكثر من اهتمامه بأمر دنياه في جلب الأموال وتحصيلها، فتكون همته بما يقدم في صحائفه، ويعمر به قبره أكثر مما يعمر به بيته؛ لأن البيت لبثه فيه ليس كثيراً في الواقع، وإن لبث ستين سنة أو سبعين سنة لكنه سيلبث في قعر قبره مئات السنين، وليس معنى ذلك أن الإنسان إذا مات صار نسياً منسياً، كلا، هو حي في الواقع، ولكن في حياة أخرى، وإلا فهو حي، إما أن يعذب وإما أن ينعم، ولا يجوز أن ينسى الإنسان مستقبله.

وأهم شيء أن تكون عباداته صحيحة، وعلى وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا أهم شيء، وليس المهم أن يكثر من العبادات، لا، المهم أن تكون عباداته صحيحة، وأن يؤدي الواجب مثل الصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، والحج، فإذا أدى العبادة صحيحة فهو من أهل الجنة بلا شك، إذا جاء بها كما ينبغي، ولا يلزم أن يقوم الليل، وأن يصوم النهار، وأن يتصدق بأمواله، ليس هذا بلازم، وأهم شيء أن تكون عبادته كلها لله خالصة.