قوله: دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، معناه: أن الإنسان إذا سأل شيئاً فإنه يخضع ويذل ويستكين، وهذا هو العبادة، فيكون في ضمن السؤال عبادة.
ومن هنا حرمت المسألة، أي: أن يسأل الإنسان أحداً من الخلق؛ لأنه يذل له قلبه، ويستكين له، ويخضع له، وهذا لا يجوز أن يكون إلا لله جل وعلا؛ لأنه عبادة، فيكون تحريم المسألة صيانة للإنسان، وإكراماً له من الله جل وعلا، أكرمه الله بأن لا يخضع لمخلوق مثله، ويكون خضوعه لله وحده، ويكون استغناؤه بالله وحده، ويكون افتقاره إلى الله وحده، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:(وأعوذ بك من الفقر إلا إليك)، نستعيذ من الافتقار إلى المخلوق، والافتقار إلى الله عبادة، أما الافتقار إلى المخلوق فهو شرك.
فهذا معنى كون دعاء المسألة يتضمن العبادة، أما دعاء العبادة فإنه يستلزم دعاء المسألة، وذلك أن المصلي والمزكي والمتصدق والذاكر والتالي يطلب بفعله هذا الثواب، يطلب من الله أن يثيبه على ذلك، وهذا هو دعاء المسألة؛ لكونه يطلب الثواب أو يطلب الالتجاء والاستعاذة من العذاب.
ومن المعلوم أن المخلوق لا بد له من طلب النفع الذي ينفعه، ومن الهرب مما يضره، يضطر إلى هذا اضطراراً، ولا بد له من ذلك، وكذلك الأسباب التي تجلب له النفع هو بحاجة إليها، وكذلك الأسباب التي بها يدفع الضر والعذاب والألم وغيرها، فالعبد مضطر إلى ما ينفعه، ومضطر إلى دفع ما يضره، ومضطر إلى تحصيل السبب الذي به جلب النافع، وإلى تحصيل السبب الذي به دفع المضر، فهو بأمس الحاجة إلى هذه الأمور، وهذه كلها يجب أن تطلب من الله وحده، ولا تطلب من المخلوق.
فيتبين لنا أن الأمر كله بيد الله، وأن الإنسان يجب أن يكون خاضعاً لله، وأن يكون عبداً لله من جميع الوجوه، والدعاء داخل في هذا، سواء كان دعاء مسألة أو دعاء عبادة.
قال الشارح: [فتبين بهذا قول شيخ الإسلام: إن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، كما أن دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، وقد قال الله تعالى عن خليله:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}[مريم:٤٨ - ٤٩]].
يعني: أن هذه الآية بينت أن الدعاء عبادة بأنواعه؛ لأنه -أولاً- قال:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ}، ثم بعد ذلك قال تعالى:((فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ)) فبين أن الدعاء عبادة، وأنهم إذا دعوا شيئاً فقد عبدوه، وهذا كثير في القرآن.