[الفرق بين محبة الله ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم]
قال الشارح رحمه الله: [وفي هذا الحديث: أن الأعمال من الإيمان؛ لأن المحبة عمل القلب.
وفيه: أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة تابعة لمحبة الله لازمة لها، فإنها محبة لله ولأجله, تزيد بزيادة محبة الله في قلب المؤمن ,وتنقص بنقصها، وكل من كان محباً لله فإنما يحب في الله ولأجله كما يحب الإيمان والعمل الصالح، وهذه المحبة ليس فيها شيء من شوائب الشرك كالاعتماد عليه, ورجائه في حصول مرغوب منه أو دفع مرهوب منه، وما كان فيها ذلك فمحبته مع الله لما فيها من التعلق على غيره والرغبة إليه من دون الله].
يعني: الفرق بين محبة الله جل وعلا ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم مكملة لمحبة الله؛ لأنها تابعة لها، فهي محبة لله وفي الله، وليست محبة مع الله.
أما المحبة مع الله فهي شركية، تكون محبة شرك, وذلك أنه يجعل له من المحبة مثل ما يكون من جنس المحبة التي تكون لله، والمحبة التي تكون لله عرفنا أنها ما كان فيها عبودية وذل وخضوع وتعظيم ورجاء وخوف.
والرسول صلى الله عليه وسلم ما يملك مع الله شيئاً، لو أن إنساناً دعاه واستغاث به وقال: أرجوك أن تنجيني من النار، أرجوك أن تغفر ذنوبي، أرجوك أن تصلح قلبي، أرجوك أن تهب لي مالاً، وما أشبه ذلك؛ فمعنى ذلك أنه جعله في منزلة الله، وصار يعبده عبادة؛ لأن الدعاء والرجاء والخوف يجب أن يكون لله وحده، وكذلك الخوف العيني الذي يخاف منه الإنسان, والمخوف غائب عنه، أو أن يدعى له ما هو من خصائص الله من معرفة الغيب والاطلاع على ما في القلوب، ومعرفة المستقبلات والماضيات, والاطلاع على اللوح المحفوظ وما فيه ,أو كونه يستطيع أن يغير الكون أو يبدله أو أن يجعل هذا الشقي سعيداً أو هذا السعيد شقياً وما أشبه ذلك؛ هذا لا يجوز أن يكون إلا لله.
فمن جعل شيئاً من ذلك لأحدٍ من خلق الله سواء كان رسولاً أو ولياً أو ملكاً فقد أشرك، ووقع في الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله جل وعلا إلا بالتوبة منه، ومن مات على ذلك فهو في النار خالداً فيها، من مات معتقداً وفاعلاً لهذه الأمور فهو مشرك الشرك الأكبر، ولا ينفعه دعواه أن هذه محبة؛ لأن المحبة يجب أن تكون على وفق أمر الله ,ووفق ما كلفك الله جل وعلا به، وليست بهوى النفس ولا بالتقليد ولا بالأوضاع التي يتواضع عليها الناس، بل يجب أن تكون بالشرع الذي جاء به رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه.
والرسول صلى الله عليه وسلم بين هذا ووضحه وحذر منه كثيراً، وسيأتي شيء من ذلك في هذا الكتاب، حتى إنه لما قال له رجل: (ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده) مع أنه يخاطبه وله مشيئة، ولكن أراد صلوات الله وسلامه عليه أن يسد الباب الذي يمكن أن يدخل الشيطان منه ,ويفسد على أمته دينها.
ولما جاءه القوم وقالوا له: (أنت سيدنا وابن سيدنا, وأنت خيرنا وابن خيرنا, كره ذلك وقال: أيها الناس! قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله جل وعلا إياها، أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله).
والعبودية هي أكمل مقاماته صلوات الله وسلامه عليه، يعني: عبوديته لله لأنه كملها، ولهذا أثنى الله جل وعلا عليه بالعبودية، وإلا فهو بشر صلوات الله وسلامه عليه، كما قال الله جل وعلا له: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:١١٠] هو بشر مثلنا، ولكن ميز وخصص بأنه يوحى إليه: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف:١١٠] فهذه هي الميزة والخصيصة التي خصه الله بها، أما الأصل فهو مثل الناس.
وقول كثير من الغلاة: إنه أصل الوجود، ويقولون: إنه جاء في الحديث: (لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك)، فهذا كذب! ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، وهذا خلاف كتاب الله، وكذلك الذين يقولون: أول مخلوق هو نوره، ويقولون: نوره من نور الله ,وأن الله خلقه من نوره، كله غلو مخالف لكتاب الله, وهو من سنن النصارى في غلوهم في عيسى عليه السلام، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بأن هذه الأمة ستفعل كما فعلت الأمم قبلها، والخبر من باب التحذير.
والمقصود: أن يميز الإنسان بين ما يجب لله جل وعلا وما يجب لعبده، فالواجب لله العبودية, والعبودية هي الحب الذي يتضمن الذل مع التعظيم والخضوع والرجاء والخوف، ثم يتبع ذلك الدعاء والخشية وغيرها، أما محبة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي محبة له, تحبه لأن الله يحبه ولأن الله أمر بحبه ,ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق طاعة لله جل وعلا.
إذاً: تكون محبته تبعاً لمحبة الله, وليست محبة مع الله، أما المحبة مع الله فهي التي تشترك مع محبة العبودية, وهذه شرك ولا يجوز أن تكون لأحد من الخلق.
فبهذا يحصل التمييز بين المحبة في الله ولأجله التي هي من كمال التوحيد وبين المحبة مع الله التي هي محبة الأنداد من دون الله.