للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أجر الداعي إلى الله جل وعلا وإثم الداعي إلى الضلال]

فيجب أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل، وفي الدعوة الخير الكثير.

ومما بين لنا صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث قوله (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) أي: خير لك من النوق الحمر، وهذا في وقته صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن في وقته كان أفضل الأموال وأنفسها هي النوق الحمر، أما في هذا الوقت فقد تغير الحال، وكما قال النووي: هذا تقريب للأذهان فقط، وإلا فذرة من أمور الآخرة خير مما طلعت عليه الشمس.

يعني: خير من الأرض كلها وما عليها، وإنما يقول صلوات الله وسلامه عليه ذلك تقريباً للأفهام فقط، يقول: لرجل يهتدي على يديك فيدخل في الإسلام خير لك من الدنيا لو قدر أنها تحصل لك هذا معنى الكلام، وذلك أن بهدايته يحصل لك من الأجر مثل الأجر الذي يتحصل عليه هو من غير أن ينقص من أجره شيء، وزيادة في ذلك أنك أنقذت إنساناً من النار.

وقد قال الله جل وعلا في قتل الأنفس: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:٣٢] أي أن الذي يحيي النفس كأنما أحيا الناس جميعاً، وليس المقصود بالحياة هنا البعث بعد الموت، فهذا ليس إلى الخلق، ولكن المقصود أن يحول بينها وبين الموت، ومن أعظم الموت موت الكفر، فكل إنسان كافر فإنه ميت، وإذا دخل في الإسلام فقد حيي، كما قال جل وعلا: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢] يعني: كان ميتاً كافراً فأحياه الله بالهداية إلى الإسلام، وجعل له نوراً يهتدي به إلى الله.

فمن اهتدى على يده رجل يكون بهذه المثابة، وكأنما أحيا الناس جميعاً، كما أن الذي يضل على يديه رجل فيخرج من الإسلام إلى الكفر فإن يكون كأنه قتل الناس جميعاً، فبدل كونه يحصل على الفضل يحصل على الإثم العظيم، وذلك أن الله جل وعلا خلق الناس لعبادته وبين لهم طرق الخير وطرق الشر، وجعل الأمر إليهم باختيارهم؛ لأن هذا هو الذي يستحق عليه الإنسان الثواب أو العقاب، فإذا فعل الخير واقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم واتبعه استحق الجنة والثواب العظيم، أما إذا أبى وزُين له سوء عمله وصُد عن هدى الله فإنه لن يعجز الله، وله العقاب الشديد الذي ينتظره بعد الموت.

وقد بين ربنا جل وعلا لنا شيئاً من ذلك، أخبر أن الكفار لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها شيئاً، بل يبقون خالدين فيها أبداً ما دامت السماوات والأرض، وجهنم نارٌ تتلظى لا ينطفئ لهبها ولا ينقطع عذابها -نسأل الله العافية! - كما قال سبحانه: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦] والإنسان لو سقط في النار لحظات لمات، ولكن في الآخرة ليس هناك موت، والله جل وعلا القادر على كل شيء يمنع الموت منه، وإلا فالموت يأتيه من كل مكان، ولهذا ينسى الدنيا، وينسى كل ما حصل له من النعيم؛ ولهذا يخبرنا ربنا جل وعلا أنهم إذا وقفوا بين يدي الله يسأل بعضهم بعضاً: كم لبثتم في الدنيا في الأرض؟ فواحد يقول: لبثنا يوماً وبعضهم يقول: لبثنا ساعة، وواحد يقول: لبثنا بعض ساعة.

لأن هذا العذاب العظيم لا يُتصور أنه مثل عذاب الدنيا، وهكذا النعيم لا يتصور أنه مثل نعيم الدنيا، بل هو أعظم بمرات، لكن هذا من باب التقريب للأذهان والأفهام، ثم إن الإنسان ليس له أن يقول: لست مكلفاً بالدعوة.

كلا، بل الله كلفك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وهل هذا يخص قوماً دون قوم أم يعم الأمة كلها؟ يعم الأمة كلها.