للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الجبت والطاغوت]

اختلف السلف في الجبت فقال عمر رضي الله عنه: الجبت: الشيطان، ومرة قال: السحر، وهكذا روي عن ابن عباس وعن مجاهد وعن قتادة وعن الحسن وغيرهم، وجاء أن الجبت الشرك، وجاء عن بعضهم أن الجبت هو حيي بن أخطب وبعضهم قال: الجبت: كعب بن الأشرف، وجاء عن بعضهم أنه قال: الجبت الكاهن، والأزهري يقول: الجبت كلمة تطلق على الوثن وعلى الشيطان ونحوهما، يعني: أنها تعم، والمعنى الواضح أن الجبت هو خلاف أمر الله.

فالجبت كل ما خالف الشرع وانصرف الإنسان إليه معتاضاً به عن شرع الله، وعن الهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

أما الطاغوت فقد تقدم أنه مأخوذ من الطغيان، وأنه أطلق على ما يطلق عليه الجبت، فقيل: إنه الشيطان، وقيل: إنهم كهان ينزل عليهم الشيطان، وقيل: إنه الحاكم بغير ما أنزل الله، وقيل: إنه الشرك، يعني أنه الشريعة التي يعتاض بها عن شرع الله جل وعلا، وهذا تقدم، وكل ذلك حق وصواب، وإن اختلفت الألفاظ فهي متفقة في المعنى، فلا خلاف فيها، وهذا الذي يسمى في مقدمات التفسير باختلاف التنوع، يعني: أن كل واحد ينوع عبارته عن الآخر فتختلف ولكن المعنى واحد ما يختلف، والسبب في هذا أن السامع قد يكون لديه لفظ أوضح من اللفظ الآخر، فيعبر بهذا اللفظ الواضح الذي يجلي أمامه المقصود، فكثرت عباراتهم عن معان واحدة، واللغة العربية من خصوصياتها أنها تأتي بألفاظ كثيرة لمعنى واحد، وتسمى الألفاظ المترادفة، فمثلاً: يقول: الخبز، والرغيف، والعيش، والقرص، وتقول: الثوب، والقميص، واللباس، وهكذا والمعنى واحد، وإن كانت الألفاظ الكثيرة ترد على هذا المعنى، وهذا لسعة اللغة، وهي أوسع اللغات في ذلك، فبهذا يتبين لنا أن هذه الأقوال وغيرها التي لم نذكرها ليست دالة على أن هذا المعنى خفي عليهم، وأنهم اختلفوا فيه، بل هو واضح جلي، ولكن كل واحد يعبر بالشيء الذي يراه أوضح وأقرب لتفهيم السامع.