للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب لانحراف أهل البدع]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وربما حصل معهم من عدم تلقيه بالقبول ترك ما وجب من الإيمان به، فتشبه حالهم حال من قال الله فيهم: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:٨٥]، فلا يسلم من الكفر إلا من عمل بما وجب عليه في ذلك من الإيمان بكتاب الله كله واليقين، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:٧]، فهؤلاء الذين ذكرهم ابن عباس تركوا ما وجب عليهم من الإيمان بما لم يعرفوا معناه من القرآن وهو حق لا يرتاب فيه مؤمن، وبعضهم يفهم منه غير المراد من المعنى الذي أراد الله فيحمله على غير معناه، كما جرى لأهل البدع كالخوارج والرافضة والقدرية ونحوهم ممن يتأول بعض آيات القرآن على بدعته، وقد وقع منهم الابتداع والخروج عن الصراط المستقيم، فإن الواقع من أهل البدع وتحريفهم لمعنى الآيات يبين معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما، وسبب هذه البدع جهل أهلها وقصورهم في الفهم، وعدم أخذ العلوم الشرعية على وجهها وتلقيها من أهلها العارفين لمعناها الذين وفقهم الله تعالى لمعرفة المراد، والتوفيق بين النصوص والقطع بأن بعضها لا يخالف بعضا ورد المتشابه إلى المحكم، وهذه طريقة أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان، فلله الحمد لا نحصي ثناء عليه].

وقد يكون هناك سبب غير هذا، وهو الظاهر، فهناك أسباب متعددة، وليس ما ذكره هو السبب الوحيد لانحراف أهل البدع، بل من أعظم الأسباب اتباع الهوى، فهذا من أعظم أسباب انحرافهم؛ لأنهم يتبعون أهواءهم، ولهذا يسميهم أهل السنة (أهل الأهواء)؛ لأنهم يتبعون ما يهوونه وما يشتهونه، وقد يكون أيضاً هناك سبب آخر، وهو أن يكون يريد إفساد الدين، فهو زنديق منافق يدخل مع المسلمين في الظاهر وهو في الباطن يريد حربهم وإفساد دينهم، وهذا وجد وصار له تأثير.

فالمقصود أن البدع صار لها أسباب متعددة ليست مقصورة على الجهل فقط.