[استمتاع الجن والإنس بعضهم ببعض]
قال الشارح رحمه الله: [قوله: باب ما جاء في الكهان ونحوهم.
الكاهن هو: الذي يأخذ عن مسترق السمع، وكانوا قبل المبعث كثيراً وأما بعد المبعث فإنهم قليل؛ لأن الله تعالى حرس السماء بالشهب.
وأكثر ما يقع في هذه الأمة: ما يخبر به الجن أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة مما يقع في الأرض من الأخبار، فيظنه الجاهل كشفاً وكرامة.
وقد اغتر بذلك كثير من الناس يظنون المخبر لهم بذلك عن الجن ولياً لله، وهو من أولياء الشيطان، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:١٢٨].
] الاستمتاع الذي ذكره الله جل وعلا في هذه الآية: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ} [الأنعام:١٢٨] استكثرتم يعني: أنكم أغويتم كثيراً منهم، يعني: اتبعكم جُلّهم.
ثم قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا} [يس:٦٢] يعني: أضل خلقاً كثيراً.
قال جل وعلا: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:٢٠] اتبعوه كلهم إلا فريق فقط.
ثم ذكر جل وعلا عن أوليائهم من الإنس فقال: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ} [الأنعام:١٢٨] يعني: الإنس والجن جميعاً يجمعون ويلقون في النار، والاستمتاع المقصود به: طاعة الإنسي للجني أي: أنه يستمتع بطاعته وعبادته له، وقد يسجد له وقد يذبح له ذبيحة أو يقدم له طعاماً أو يفعل معصيةً بأمره، بأن يكتب آيات الله جل وعلا بالنجاسة، أو يعمل أعمالاً يكون فيها استهزاء بالدين أو بالله أو بالرسول صلى الله عليه وسلم، فيطيعه الشيطان؛ لأنه أطاعه وفعل ما يريد.
وأما استمتاع الإنسي بالجني فإنه بالأخبار التي يأتيه بها، وما يخبره من أمور غائبة، والأمور الغائبة طريقتها مثل ما قلنا: إن بعض الجن يتصل ببعض قرناء الإنس؛ لأن كل إنسان معه قرينه من الجن، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيسأل بعضهم بعضاً، ويأتون بالخبر الذي يكون غائباً عن الإنسان، فيتصور السامع أن هذا الذي يخبره بذلك يعرف المغيبات، ويصدقه بسبب ذلك.
وأما كون السماء حرست بعد المبعث فهذا كان في وقت نزول الوحي، أما الآن فيمكن للجني أن يأتي إلى وليه من الإنس بخبر يكون فيه صدق، ولكنه يكذب معه مائة كذبة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله: [قوله: وروى مسلم في الصحيح عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)].
هكذا في صحيح مسلم.
أما قوله: (فصدقه) فهذا خطأ من الناسخ أو من الطابع، وليس في صحيح مسلم: (فصدقه).
قوله: (من أتى عرافاً - يعني: لمجرد سؤال- لم تقبل له صلاة أربعين يوماً).
أما تصديقه فسيأتي أنه كفر: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).
فترتب على إتيانه عدم قبول الصلاة، وهذا خطر عظيم جداً، وكثير من الناس يغتر بهذه الأشياء، وكل من تعاطى شيئاً مما ذكر فهو داخل في ذلك، وذلك أنه يجب أن يعتقد المؤمن أن الغيب لله جل وعلا وحده، وأنه لا أحد يطلع على الغيب، والغيب قسمان: غيب مطلق لا أحد يعرف منه شيئاً إلا الله جل وعلا.
وغيب نسبي، فكل ما غاب عن الإنسان فهو غيب بالنسبة إليه، ولكن قد يطلع عليه غيره فيكون بالنسبة للمطلع ليس غيباً، فإذا أخبر ذلك المطلع من غاب عنه ثم أخبر الذي يجهله ظن أنه يعرف المغيبات فيهلك بذلك.