[مسائل باب: (من تبرك بشجرة أو حجر ونحوها)]
قال المصنف رحمه الله: [وفيه مسائل: المسألة الأولى: تفسير آية النجم].
المقصود بآية النجم قوله جل وعلا: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى} [النجم:١٩ - ٢١]، فهذه الآيات إلى آخرها قد مر معناها.
[المسألة الثانية: معرفة صورة الأمر الذي طلبوا].
يعني: معرفة صورة الأمر الذي طلبوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنهم ظنوا أن هذا أمر مقرب إلى الله، وأنه محبوب لله جل وعلا ولرسوله، أما لو كانوا يعرفون أنه منكر، وأنه داخل في أقسام الشرك، ويناقض معنى لا إله إلا الله فلا يمكن أن يقدموا عليه ويطلبوه، ومعنى ذلك: أن الإنسان لا يعذر بالجهل في مثل هذه الأبواب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم وأغلظ لهم في ذلك.
[المسألة الثالثة: كونهم لم يفعلوا].
يعني: أنهم طلبوا ولم يفعلوا حتى لا يقال: إن هذا فيه العذر للجاهل، وإنه معذور في هذا الباب؛ وسبق أنه يضاف إلى هذا أنهم حدثاء عهد بشرك، يعني: عهدهم بالشرك قريب، ولم يعرفوا ما يعرفه غيرهم ممن سبقهم إلى الدين، وأن غيرهم يعرف أنه لا يجوز.
[المسألة الرابعة: كونهم قصدوا التقرب إلى الله بذلك لظنهم أنه يحبه].
هذا يدلنا على أن التقرب إلى الله جل وعلا لا يجوز إلا بالشرع الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: إذا كان الإنسان قصده حسناً، ولكن فعل ما هو مخالف للشرع، فإن هذا لا يبرر الفعل المخالف، بل يجب إنكاره، ويعاقب عليه ولا يثاب؛ لأن الله جل وعلا قد أنزل الكتاب، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ، فليس للناس عذر في جهلهم دينهم الذي جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلماء أخذوا من هذا قاعدة وهي: أن العبادات ممنوعة -أصلها ممنوع- حتى يأتي الأمر بها، فالأصل في العبادة المنع والتحريم حتى يأتي الشرع بالإذن بها، بخلاف الأمور المباحة: مثل المعاملات والمأكولات والمطعومات وغيرها، فإن الأصل فيها الحل حتى يأتي الشرع بتحريمها، يعني: عكس العبادات.
قال الماتن رحمه الله: [المسألة الخامسة: أنهم إذا جهلوا هذا فغيرهم أولى بالجهل].
يقصد الناس الذين جاءوا بعدهم وليسوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم بركة، ولا يمكن أن يكون من يأتي بعدهم مثلهم، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن خير الخلق بعد الأنبياء هم الذين صحبوه فقال: (خير الناس القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).
[المسألة السادسة: أن لهم من الحسنات والوعد بالمغفرة ما ليس لغيرهم].
قصده بهذا: أنه لو قدر أن هذا من الإثم ومن الشرك فإنهم ليسوا كغيرهم، فلهم من السوابق والحسنات ما لا يصل إليه غيرهم، ولكن الإنسان إذا جاء بشرك لا ينظر إلى حسناته؛ لأن الله جل وعلا يقول لنبيه ولمن سبقه من الأنبياء: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥]، والله ليس بينه وبين أحد من الخلق نسب ولا صلة إلا بالطاعة والعبادة، ولما ذكر أفضل الخلق وهم الأنبياء قال بعد قصصهم والثناء عليهم: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٨]، فالشرك يحبط الأعمال كلها، وهو أعظم الذنوب التي يعصى بها الله جل وعلا، نسأل الله العافية، ولهذا أخبر جل وعلا أن الذي يموت عليه يكون خالداً في النار، لكن الإنسان -مثلاً- قد يقع في مخالفة ثم يكون معذوراً لأسباب: إما لأنه لم يبلغه الأمر، أو أنه جهل وظن أن هذا مشروعاً ووقع فيه، أما إذا كان لا يجهل ذلك فهذا لا يعذر.
[المسألة السابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعذرهم في الأمر، بل رد عليهم بقوله: (الله أكبر! إنها السنن، لتتبعن سنن من كان قبلكم) فغلظ الأمر بهذه الثلاث].
يعني: تغليظه لهم في قولهم ذلك، فإنه ذكر الآية بعد قوله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) وهذا من باب التغليظ لهم للأمر، وهو الواقع الظاهر، ويكفي في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى).