للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الأذى والضرر]

ومعلوم أن الليل والنهار مخلوق لله جل وعلا، كما قال الله جل وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت:٣٧] ويقول جل وعلا: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج:٦١] ويقول جل وعلا: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعراف:٥٤].

فالله جل وعلا هو الذي خلق الليل والنهار، وجعله مسخراً مدبراً، فالليل والنهار مخلوق مطيع لله جل وعلا، سائر بأمره، ليس له تصرف، وليس عنده نفع ولا ضر.

وسب الدهر يدل على أن الأذى يقع من ابن آدم على الله، والأذى يكون للشيء الخفيف الذي أثره قليل، أي: ما خف أثره وقل تأثيره من الشرك والقول الكذب والكفر، وقد أخبر الله جل وعلا عن بعض الناس أنهم يؤذون الله ورسوله، ويؤذون المؤمنين، ولكن أخبرنا ربنا جل وعلا أنه لا أحد يضره: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران:١٧٦].

فالله لا يلحقه الضرر، ولكن يلحقه الأذى، ولهذا نقول: إن الأذى هو الشيء الخفيف الذي لا يكون له أثر على من لحقه، ولهذا يقول الله جل وعلا للمؤمنين عندما حرضهم على قتال الكافرين: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران:١١١].

يعني: من قول تسمعونه أو فعل يصدر منهم فتتأذون به، أما الضر فلا يلحقكم.

فالله أعظم وأجل من أن يلحقه ضر من خلقه، ففي الحديث القدسي الذي في صحيح مسلم أن الله جل وعلا يخاطب خلقه بقوله: (إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني،) وفي التنزيل كما سمعنا: {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران:١٧٦].

أما الأذى فثبت في هذا الحديث، وفي القرآن آيات تخبر أن الله يتأذى بفعل بني آدم، كمثل الذين يقولون: إن له ولداًَ تعالى الله وتقدس، ومثل الذين يعبدون معه غيره، ومثل الذين ينادون مخلوقاً رميماً تحت التراب، ويقولون له: أغثنا أعطنا نحن نعتمد عليك وما أشبه ذلك؛ لأن هذا من حق الله، يجب أن ينادى الله به، أما أن يجعل لله ما يجعل للمخلوق فهذا من الأمور التي تؤذي الله تعالى الله وتقدس.