[شرح حديث: (لا يقولن أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك،)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: لا يقول: عبدي وأمتي.
في الصحيح: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولن أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي)].
هذا من باب الأدب مع الله جل وعلا، ومن باب تعظيم حق الله جل وعلا، واجتناب الألفاظ التي فيها منازعة لله جل وعلا، وفيها نوع من المشاركة له؛ تعظيماً له وتحقيقاً للتوحيد؛ لأن العبودية هي صفة المخلوقين كلهم، والربوبية هي صفة الرب جل وعلا، هو الرب الذي ربى الخلق بإيجادهم، وبدفع المكروهات عنهم، وجلب المصالح لهم من كل وجه، فلا يكون العباد أرباباً لبعضهم بعضاً، وإن كان يوجد منهم المملوك الذي يملك، ولكنه في الواقع متعبد لله، وملكه لا يجوِّز أن يكون في ذلك ميزة لبعضهم على بعض في العبادة.
ويجب أن تكون عبوديتهم كلهم ظاهرة لله، وليس لأحد على أحد عبودية، والرق الذي كان واقعاً سببه الكفر، وقد يقع لبعضهم، وإذا كان واقعاً فالإنسان يتأدب مع ربه جل وعلا في هذا، فلا يسميه عبداً فيقول: هذا عبدي إذا كان ذكراً، وإن كان أنثى يقول: أمتي؛ لأن النساء كلهن إماء الله، والذكور كلهم عبيد الله، أحرارهم وملوكهم.
فهذا من باب حماية التوحيد، ومن باب التأدب مع الله جل وعلا، فيجب أن يحمى اسم الله جل وعلا، وألا يكون فيه مشاركة للمخلوقين، وأن يقال: هذا رب فلان وفلان وهذا بالنسبة للعقلاء المكلفين.
أما غير العقلاء من بهائم وجمادات وغيرها فإنها ليست معبدة التعبيد التكليفي الشرعي، وإن كانت معبدة التعبيد القدري، لكن التعبيد الشرعي التكليفي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه ليس هذا من شأنها، وليس موجهاً إليها، ولهذا يجوز أن يقال: هذا رب هذه الدابة! رب الناقة! رب الشجر؛ لأنها ليست عاقلة ولا مكلفة، وإنما هذا في المكلفين من الذكور والإناث، وقد يشكل على هذا ما جاء في بعض الآيات، مثل قول الله جل وعلا في قصة يوسف عليه السلام: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:٢٣]، ومقصوده أنه ربه الذي ملكه، فلما قالت امرأة العزيز: {هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:٢٣].
والجواب عن هذا: أن هذا كان في شرع من قبلنا، وشرعنا جاء بالنهي عن ذلك.
وبعضهم أجاب قائلاً: يكون النهي في هذا الحديث من باب الأدب وباب الكراهة والآية تدل على الجواز، يعني: أن هذا جائز ولكن خلاف الأولى، وهذا جواب خلاف الأولى، بل هذا ليس في شرعنا، وإنما هو في شرع من قبلنا، بدليل أن يوسف عليه السلام سجد له أبواه وإخوته لما دخلوا عليه وهو على كرسيه، فهذا لا يجوز في شرعنا، وقد ذكره الله جل وعلا، ويكون هذا مثله.
وأما الحديث الذي في الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربتها)، هذا لا محذور فيه لأن (ربتها) مؤنث بحيث لا يمكن أن يوصف الله جل وعلا به، تعالى وتقدس، فهذا ليس فيه محذور.
فعلى هذا لا يجوز للإنسان إذا كان له عبد أن يقول: عبدي، فهو بنفسه وغيره كذلك، لا يقول هو، ولا يقال له، فلا يقول أحد: أجب ربك، أجبه أو أطعمه أو اذهب إليه أو ما أشبه ذلك، يعني: لا المخاطب ولا المخاطب يقول ذلك، كلاهما منهي عن هذا، فلا يدعوه بلفظ العبد، ولا يدعو العبد سيده بلفظ الرب فيقول: يارب، ولهذا قال: (لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، ولا يقل: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: فتاي وفتاتي)، والفتى: هو الغلام النشيط، والفتاة كذلك.
فأرشد إلى الشيء الجائز بدل الممنوع الذي فيه مشاركة لاسم الله جل وعلا، ومنازعة فيه، وأما ما يأتي فيما جاء في رواية مسلم أنه قال: (وليقل: سيدي ومولاي) فإنه جاء النهي كما سيأتي أيضاً عن إطلاق لفظ السيد، وهو سيد في الواقع، ويقال هذا على من كان له تقدم في السيادة، ولكن في الحديث الذي سيأتي أنه قال: (السيد الله)، فهذا لأنه ليس من الأسماء المشهورة التي تختص بالرب مثل اسم: الرب، فالرب جل وعلا لا يطلق إلا على الله، ولا يستعمل لأحد إلا إذا كان مضافاً، مثل أن يقول: رب الدار! رب الكتاب.
أما أن يقول هكذا: رب، ربك، أو ربي، فالرب خاص بالله جل وعلا، فلا يكون مثل إطلاق لفظ السيد، وإن كان جاء في الحديث الذي سيأتي أنه قال: (السيد الله)، وأما المولى فإنه يطلق على القريب في النسب كالأخ وابن العم وما أشبه ذلك، ويطلق على الناصر، ويطلق على المقدم الذي له تقدم، وله فضل على غيره، ويطلق على غير ذلك.
ومثل هذا منهي عنه، والمحذور فيه هو هذه الإطلاقات، ويجب أن يكون للمخلوق ما يليق به.