للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حق الله عظيم لا يدركه أحد]

[قوله: وفي المسند وسنن أبي داود عن ابن الديلمي -وهو أبو بسر -بالسين المهملة وبالباء المضمومة-، ويقال: أبو بشر -بالشين المعجمة وكسر الباء-، وبعضهم صحح الأول، واسمه عبد الله بن فيروز -، ولفظ أبي داود قال: (لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار.

قال: فأتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت زيد بن ثابت قال: فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك)، وأخرجه ابن ماجة.

وقال العماد ابن كثير رحمه الله: عن سفيان عن منصور عن ربعي بن خراش عن رجل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد ألا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر خيره وشره)، وكذا رواه الترمذي عن النضر بن شميل عن شعبة عن منصور به، ورواه من حديث أبي داود الطياليسي عن شعبة عن ربعي عن علي فذكره.

قوله: (لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم) معنى ذلك أن أهل السموات وأهل الأرض ما يستطيعون أن يقوموا بحقوق الله جل وعلا الواجبة له، فلو عذبهم لعذبهم على ترك الحق، لهذا جاء أن الملائكة منهم من يكون منذ خلق إلى قيام الساعة راكعاً، ومنهم من يكون منذ خلق إلى قيام الساعة ساجداً، ومنهم من يكون قائماً بالعبادة لا يفتر لحظة من اللحظات، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك؛ لأن حق عبادة الله جل وعلا لا يطيقها المخلوق، فرحمة الله جل وعلا خير من عمل الإنسان مهما عمل.

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن رجلاً عبد الله جل وعلا في جزيرة من البحر خمسمائة سنة، أخرج الله جل وعلا له من البحر عيناً عذبة يشرب منها، وأنبت له شجرة رمان، وكل يوم تخرج له حبة فيأكلها، وسأل ربه أن يقبضه ساجداً، فقبض وهو ساجد، فإذا كان يوم القيامة أحضر بين يدي الله جل وعلا، فيقول الله جل وعلا لملائكته: ادخلوا عبدي الجنة برحمتي.

فيقول العبد: يا رب! بل بعملي.

فيقول الله جل وعلا: حاسبوه، فيحاسب، فيوجد أن عبادة خمسمائة سنة جاء عليها نعمة البصر -أو قال: نعمة السمع-، ثم بعد ذلك يقول الله جل وعلا له: من الذي خلقك ولم تك شيئاً؟ من الذي قواك على العبادة؟ من الذي جعل في قلبك حب الإيمان وكراهية الكفر؟ من الذي جعل لك السمع والبصر والفؤاد واليدين والرجلين؟ من الذي استخرج لك من البحر المالح عيناً عذبة؟ من الذي استخرج لك من شجرة الرمان كل يوم حبة وهي لا تخرج في السنة إلا مرة؟ ثم يقول جل وعلا بعد ذلك: اذهبوا به إلى النار، فإذا ذهب به إلى النار.

يصيح: يا رب! أدخلني الجنة برحمتك فيدخله الله الجنة برحمته ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله).

وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لن يدخل أحدكم الجنة عمله قالوا: ولا أنت -يا رسول الله-؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)، وإنما يدخل المؤمنون الجنة برحمة الله، ويتقاسمون المنازل بأعمالهم، أما دخول الجنة فهو برحمته جل وعلا؛ لأن الجنة ليست عوضاً عن العمل، وبهذا يتبين معنى قوله: (لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم).