للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضيلة أصحاب موسى عليه السلام وعرض الأمم على محمد صلى الله عليه وسلم]

[العاشرة: فضيلة أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام.

الحادية عشرة: عرض الأمم عليه عليه الصلاة والسلام].

قلنا: إن العرض يجوز أن يكون في المنام، ويجوز أن يكون في اليقظة، وهو تمثيل، فمثلوا له كهيئة مجيئهم يوم القيامة، كما مثلت له الجنة والنار وهو يصلي صلاة الكسوف صلوات الله وسلامه عليه، فأخبر أصحابه أنه رأى فيها أشياء، وأخبرهم أنه رأى عمرو بن لحي الخزاعي فيها، ورأى امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، ورأى أشياء أخبرهم فيها، وقال: (إني لم أر منظراً كاليوم)، وخطبهم وقال: (إن الله يغار أن تزني أمته أو يزني عبده)، ولهذا يقول العلماء: إذا حدث الكسوف فمعنى ذلك أن الله يستعتب عباده، فيجب أن يخافوا، ويجب أن يهرعوا إلى الصلاة والاستغفار والتوبة والصدقة، ولا ينافي هذا أن الكسوف يحدث في أشياء معينة يعرفها أهل الفلك، ولكن عند ذلك الله جل وعلا يحدث ما يستعتب به عباده، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى ذلك خشي أن تكون الساعة، وأشار بهذا الكلام إلى أن هذا بأسباب تحدث من بني آدم، وإن كان بالحساب فيكون بأسباب، وهكذا كل ما يقع، مثل ما يسميه الناس اليوم: الكوارث الطبيعية.

فهي ليست كوارث طبيعية كما يقولون، بل هذه عقوبات وأحداث يأخذ بها من يشاء من عباده، ولعل بعضهم يتوب ويستعتب ويرجع إلى الله، سواءٌ أكانت مطراً، أم كانت رياحاً وعواصف، أم كانت زلازل، أم كانت براكين، أم غير ذلك، ولا يجوز أن نقول: هذه كوارث طبيعية وننسى الأسباب، وننسى مسبب الأسباب جل وعلا، بل يجب أن نرجع إلى أنفسنا، ولهذا في خلافة عمر رضي الله عنه حدث زلزال في المدينة وإن كان ليس كبيراً، فقال عمر رضي الله عنه: (والله لئن عادت لا أساكنكم فيها)؛ لأنها لا تحدث إلا بذنوب العباد، فالله جل وعلا يحدث ذلك لعلهم يتوبوا ويرعووا، وهكذا غير الزلازل من الأمطار الجارفة والرياح العاصفة والبراكين، ولكن الذين نسوا الله ينسيهم الله جل وعلا أنفسهم لئلا يتذكروا ولا يرجعوا إلى الله، فيضيفون هذه الأمور إلى الطبيعة، إلى الأرض وطبيعتها، وينسون الله جل وعلا فلا يتوبون، وهذا من نسيان الله لهم، بخلاف المؤمن، فإنه يهرع إلى الله ويضرع إليه ويتوب ويستعتب، ويترك ما هو فيه من المعاصي، وهذا المقصود في احداث هذه الأمور، ومن ذلك كسوف الشمس وخسوف القمر فإنه من هذا النوع.