للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الدعوة إلى التوحيد]

قال المصنف رحمه الله: [باب: الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله].

قوله: [باب: الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله] يعني الدعاء إلى توحيد الله جل وعلا، والمصنف لما ذكر وجوب هذا الأمر على المسلمين عموماً، وأنه يجب على كل مكلف أن يعبد ربه وحده، وأن يجتنب الشرك -وهذا واجب عيني يتعين على كل فرد من المسلمين ذكورهم وإناثهم- ذكر فضل من حقق هذا، وأن من حقق التوحيد يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، ثم ذكر الخوف من كون الإنسان إذا فعل ذلك وعلم أنه ينبغي له أن يخاف أن يناله الشيطان في شيء ينقص توحيده أو يدخل عليه ما يضعف إيمانه.

ثم بعد هذا يقول: إذا تحلى الإنسان بهذا الأمور فهو الكامل في أمور التوحيد؛ لأنه عرف وعمل وحقق وخاف، والإنسان إذا خاف من شيء اجتنب الأسباب التي تؤدي إلى ذلك المخوف، وإذا وصل إلى هذا الحد فهو قد تمسك بالتوحيد.

وبقي أنه لا يجوز أن يقصُر هذا على نفسه، بل يجب عليه أن ينشره، وأن يدعو إليه؛ لأن السعادة التي ذكرها الله جل وعلا للذين ذكرهم في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] ذكر فيها التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهو الدعوة إلى التوحيد، وإلى الخير، فهم يعرفون المعروف ويدعون إليه، ويعرفون المنكر ويدعون إلى تركه وينهون عنه.

ثم يصبرون على ما ينالهم في طريق الدعوة؛ لأن الذي يدعو لابد أن يؤذى سواء بالكلام أو بالفعل، بل قد يضرب وقد يسجن، وقد يهدد بالقتل وقد يقتل، فعليه أن يصبر؛ لأن هذا هو الطريق إلى الله، وهو طريق الرسل، وليس معنى هذا: أن هذا يجب على طائفة معينة، بل يجب على كل أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة، ولكن بحسب حالهم، كما قال سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، فلا يقال للإنسان الذي لا يستطيع أن يدعو: يجب عليك أن تدعو.

ولكن الذي عرف وعمل يجب عليه أن يدعو على قدر المستطاع، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (بلغوا عني ولو آية)، فلا يكون الإنسان قاصراً الخير على نفسه، بل يجب أن يبدأ بنفسه ثم بالأقرب فالأقرب إلى أن يُوصِل الخير إلى عباد الله، ولا يحصره على قوم معينين.

فمن هنا أتى المصنف بهذا الباب، فقال: [باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله]، وقصده بالدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله الدعاء إلى الإسلام، والدعاء إلى التوحيد؛ لأن الإسلام مبناه على هذه الكلمة -شهادة أن لا إله إلا الله-، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم كلهم كانوا يدعون إلى هذه الكلمة، بل أول ما يبدءون به هو هذه الكلمة، وهذا هو الذي يجب على الداعي، وهو أن يدعو الإنسان إلى تصحيح عقيدته أولاً، وإلى تصحيح العلم الذي ينطوي عليه قلبه، بأن يعتقد الحق ويعلمه، ثم يبعث الجوارح للعمل بهذا العلم؛ لأن العلم قبل القول والعمل، كما قال الله جل وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [محمد:١٩]، فبدأ بالعلم أولاً.

فيجب على الداعي أن يبدأ بالأهم فالأهم، والأهم هو: الأصل الذي يبنى عليه غيره، والذي يبنى عليه غيره هو التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله، وقد اتفق العلماء على أنه لا يعتبر الإنسان مسلماً حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولابد أن ينطق بها، أما لو علم بقلبه أن الإسلام هو الدين الصحيح وأحبه في قلبه ورأى أنه هو الحق ولكنه لم ينطق بالشهادتين فهو كافر، وإذا مات على ذلك فهو في النار، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)، فلابد من القول.

ويبني على هذه الشهادة سائر الأعمال، فإذا كان الإنسان -مثلاً- مخلاً بمعنى هذه الشهادة، كأن يتوسل بالصالحين، أو يدعو أصحاب القبور ويرى أنهم يشفعون له، وأنهم يسمعون دعاءه ويستجيبون له فلا يصح أن تذهب إليه وتقول: صل الصلوات.

أو: قم الليل وتصدق وصم.

لأن صلاته وصومه وصدقته باطلة وهو يدعو غير الله، فلابد أن يخلص أولاً عقيدته، وأن تكون خالصة لله، ويعلم أنه لا يجوز أن يُصرف من الدعاء شيء لغير الله جل وعلا، بل يكون الدعاء خالصاً لله جل وعلا، فالدعاء الغيبي النفعي أو الخوف الغيبي لا يكون لغير لله جل وعلا، فإذا لم يكن مخلصاً فهو ما عرف التوحيد كما ينبغي، فيجب أن يدعى إليه أولاً، كما سيأتي في الأحاديث التي تنص على هذا.