[كلام الأئمة في اتباع الأدلة وترك أقوالهم المخالفة للأدلة]
قال الشارح: [وبالجملة فلهذا قال ابن عباس لما عارضوا الحديث برأي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء) الحديث.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع العلماء على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى:(ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم)، وكلام الأئمة في هذا المعنى كثير.
وما زال العلماء رحمهم الله يجتهدون في الوقائع، فمن أصاب منهم فله أجران ومن أخطأ فله أجر كما في الحديث، لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم، وأما إذا لم يبلغهم الحديث أو لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عندهم فيه حديث أو ثبت وله معارض أو مخصص ونحو ذلك فحينئذ يسوغ للإمام أن يجتهد، وفي عصر الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى إنما كان طلب الأحاديث ممن هي عنده باللُقي والسماع، ويسافر الرجل في طلب الحديث إلى الأمصار عدة سنين.
ثم اعتنى الأئمة بالتصانيف ودونوا الأحاديث ورووها بأسانيد وبينوا صحيحها من حسنها من ضعيفها، والفقهاء صنفوا في كل مذهب، وذكروا حجج المجتهدين، فسهل الأمر على طالب العلم، وكل إمام يذكر الأمر بدليله عنده.
وفي كلام ابن عباس رضي الله عنها ما يدل على أن من بلغه الدليل فلم يأخذ به تقليداً لإمامه فإنه يجب الإنكار عليه بالتغليظ؛ لمخالفته الدليل.
وقال الإمام أحمد حدثنا أحمد بن عمر البزار قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا أبو عبيدة الحداد عن مالك بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي اله عنهما قال:(ليس منا أحد إلا ويؤخذ من قوله ويدع، غير النبي صلى الله عليه وسلم).
وعلى هذا فيجب الإنكار على من ترك الدليل لقول أحد من العلماء كائناً من كان، ونصوص الأئمة على هذا، وأنه لا يسوغ التقليد إلا في مسائل الاجتهاد التي لا دليل فيها يرجع إليه من كتاب ولا سنة فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وأما من خالف الكتاب والسنة فيجب الرد عليه كما قال ابن عباس والشافعي ومالك وأحمد وذلك مجمع عليه كما تقدم في كلام الشافعي رحمه الله تعالى].
معلوم أن مسائل الاجتهاد هي المسائل التي تستنبط من النصوص، وليس فيها نصوص بعينها، أما إذا جاء الدليل فلا اجتهاد فيه، فإذا دل الدليل على مسألة بعينها فلا يجوز الاجتهاد في ذلك، وإنما يجب أن يؤخذ بالدليل، فإن خالف الإنسان ذلك عامداً فهو في الواقع عاص، وإن لم يبلغه الدليل فله عذره حتى يبلغه الدليل.