للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلمة التوحيد مع اكتساب الذنوب]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قال شيخ الإسلام رحمه الله: فمن قال: (لا إله إلا الله) ولم يقم بموجبها بل اكتسب مع ذلك ذنوباً، وكان صادقا في قولها موقناً بها، لكن له ذنوب أضعفت صدقه ويقينه، وانضاف إلى ذلك الشرك الأصغر العملي، فرجحت هذه السيئات على هذه الحسنة ومات مصراً على الذنوب بخلاف من يقولها بيقين وصدق فإنه إما ألا يكون مصراً على سيئة أصلاً، ويكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته، والذين يدخلون النار ممن يقولها إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافيين للسيئات أو لرجحانها، أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم، ثم ضعف لذلك صدقهم ويقينهم، ثم لم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين تام؛ لأن الذنوب قد أضعفت ذلك الصدق واليقين من قلوبهم، فقولها من مثل هؤلاء لا يقوى على محو السيئات فترجح سيئاتهم على حسناتهم.

انتهى ملخصا.

وقد ذكر هذا كثير من العلماء، كـ ابن القيم وابن رجب وغيرهما، قلت: وبما قرره شيخ الإسلام تجتمع الأحاديث.

قال: وفي الحديث دليل على أنه لا يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد وبالعكس].

المعنى أن الإنسان لا يصح إسلامه ودخوله في الإسلام حتى ينطق بهذه الكلمة، فيتكلم بها ويتلفظ بها، وكذلك لابد أن يعتقد صحة معناها ويعمل بهذا المعنى، فلابد أن يعرف المعنى، وأن معناها إبطال كل مألوه غير الله، والتوجه بالتأله الذي هو العبادة لله وحده جل وعلا، وأن كل عبادة تصرف لغير الله شرك، وأن صاحبها عمله يحبط بذلك، فإذا مات عليه فهو من أهل النار.

فهذا لابد من اعتقاده، ولابد من العمل بألا يشرك بالله جل وعلا، وأن يلتزم ما جاء به الرسول من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج، وهي أركان الإسلام الخمسة التي أعلمنا صلوات الله وسلامه عليه أن الإسلام بني عليها، فلابد من الالتزام بذلك.

أما أن يقول هذه الكلمة وهو لا يصلي ولا يصوم، أو لا يحرم المحرمات مثل الزنا والربا وما أشبه ذلك فقوله إياها لا يفيد؛ لأنه في الواقع ما عمل بما دلت عليه، وما عمل بمقتضاها، فلابد من اعتقاد ما دلت عليه مع قولها والعمل، ولهذا اتفق أهل السنة أن الإيمان يتكون من أمور ثلاثة، من قول وعقيدة في القلب وعمل، ولو تخلف واحد من هذه الأمور الثلاثة لا يكون الإيمان صحيحاً، فأما الذين خالفوا في هذا فهم في الواقع ضالون؛ لأنهم تركوا ما دل عليه الكتاب والسنة بالنص.

فلو أن إنساناً اعتقد في قلبه أنه لا إله إلا الله، وأن كل آلهة غير الله باطلة، ولكنه لم ينطق بذلك ومات على هذا باتفاق العلماء يكون كافراً ليس بمسلم، فلابد من النطق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد)، فلابد من الشهادة، والشهادة تقتضي الإخبار بالكلام عما اعتقده في قلبه، ولهذا كان صلوات الله وسلامه عليه يدعو الناس إلى النطق بها وإلى قولها، وكان يقول لهم: قولوا: (لا إله إلا الله) و (اشهدوا ألا إله إلا الله)، ولما تبعه رجل من المشركين كان معروفاً بالنجدة والشجاعة يوم بدر فلحقه ليقاتل معه ففرح به أصحابه لأنه عرف بشجاعته وإقدامه وقال: إني جئت لأنصرك.

ولقال له: (أتشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله؟) قال: لا.

قال: ارجع؛ فإني لا أستعين بمشرك.

فلابد من الشهادة حتى يبنى عليها العمل، فيشهد أنه (لا إله إلا الله)، ثم بعد ذلك الأعمال تبنى عليها، وإلا فتكون الأعمال كلها باطلة غير معتد بها.