للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرمة إيقاد السرج على القبور]

قال الشارح: [قوله: السرج قال أبو محمد المقدسي: لو أبيح اتخاذ السرج عليها لم يلعن من فعله؛ لأن فيه تضييعاً للمال في غير فائدة، وإفراطاً في تعظيم القبور أشبه بتعظيم الأصنام].

من الناس من قال: تسريج القبور مستحب، ولا يقول هذا إلا إنسان جاهل أو ضال على عنت، يريد أن يصادم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل النصوص جاءت بالنهي عن تمييز القبر بأي شيء يميزه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث إلى أماكن في الأرض من يسوي القبور، كما في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها)، فكان يرسل الرسل لأجل تسوية القبور بالأرض، لا يجعلها مرتفعة ومشرفة فكيف بإسراجها؟ كيف بوضع القناديل عليها والبناء عليها؟ هذه مصادمة للشرع تمام المصادمة فلا يقول قائل ممن له نصيب من علم الشرع: إن الإسراج مستحب، أو جائز، بل هو من أعظم المحرمات وهو من وسائل الشرك الذي هو أعظم الذنوب، ومن مات عليه يكون خالداً في النار نسأل الله العافية.

[وقال ابن القيم رحمه الله: اتخاذها مساجد وإيقاد السرج عليها من الكبائر].

هذا من الكبائر لأنه وسيلة إلى الشرك، فكونه يبني على القبر بناء هذا يلفت النظر إلى هذا القبر، ويجعل المغتر يغتر به، وربما وقع في الشرك بسبب ذلك، فيكون الفعل كبيرة؛ لأنه يكون وسيلة إلى أعظم الذنوب الذي هو الشرك، أما مجرد البناء أو الإسراج فليس هذا شركاً إذا انفك عن الاعتقاد بأن صاحب القبر ينفع أو يضر أو يتصرف أو يملك شيئاً، أما إذا وقع البناء أو الإسراج أو الفرش أو الكتابات أو ما أشبه ذلك مما يوضع على القبور باعتقاد أن هذا ينفع، وأنه قد يدفع الضر؛ فهذا شرك، ويكون الفاعل لذلك مشركاً، والشرك هو أعظم الذنوب، وهذا الشرك ليس الشرك الأصغر بل هو الشرك الأكبر الذي يكون مضاداً لقول: لا إله إلا الله، وإن قال الإنسان: لا إله إلا الله، وفعل ما يضادها، وصلى وصام وحج؛ فإنه لا تنفعه صلاته ولا صومه ولا حجه؛ لأنه في الواقع ما فهم معنى لا إله إلا الله؛ لأن هذه الكلمة وضعت لإبطال الشرك كله بحيث لا يبقى عند الإنسان تعلق بغير الله جل وعلا، أو تأله لغيره، سواء كان من الأحياء والأموات أو من الأولياء والنبيين أو غيرهم، فإذا أتى بما يضاد ذلك فمعنى ذلك أنه ما فهم هذه الكلمة التي تميز الرجل المسلم عن الرجل الكافر.

قال الشارح: [قوله: رواه أهل السنن يعني: أبا داود والترمذي وابن ماجه فقط ولم يروه النسائي].

بلى رواه النسائي، ولكن هذا فات الشارح رحمه الله، وإلا فهو موجود في السنن مطلقاً، وإذا قيل: أهل السنن فالمراد أهل السنن الأربع: أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي، هؤلاء يطلق عليهم أهل السنن، وإذا زيد عليهم فلا بد من النص على ذلك، وإذا قيل: متفق عليه فهذا يختلف باختلاف الاصطلاح، فبعض العلماء يجعل المتفق عليه ما خرجه البخاري ومسلم، وبعضهم يزيد حسب الاصطلاح مثل صاحب المنتقى فإنه جعل المتفق عليه ما خرجه البخاري ومسلم وأحمد، وكل له اصطلاح يصطلح عليه، ولكن لا بد أن يبين الاصطلاح في أول الكتاب.