أما القسم الرابع الذي قسمه بعض العلماء من القسم الأول؛ حيث جعلوا قسماً منه أعلى مما ذكرنا، وهو الخوف من عذاب الله، فهذا أعلى المقامات والنسبة إليه -نسبة الذي ذكرنا إلى هذا- كنسبة الإيمان إلى الإحسان، والإحسان أعلى من الإيمان، ولهذا أثنى الله جل وعلا على الخائفين.
ففي هذه الآية يقول جل وعلا:{فَلا تَخَافُوهُمْ}، يعني: لا تخافوا الكفار، ولا يؤثر فيكم تخويف الشيطان وتعظيمه إياهم في نفوسكم ووسوسته لكم، واجعلوا خوفكم من الله وحده، فإنه يكفيكم ويحميكم إذا كنتم مؤمنين بخبر الله جل وعلا، وبما أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن تتحلوا بذلك {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وبهذا يتبين أن ترك أمر من أمور الدين، مما أوجبه الله أو التقصير فيه خوفاً من الخلق أنه من تخويف الشيطان، وأنه يجب على المؤمن أن يمتثل أمر ربه جل وعلا ويجتنب نهيه، وإن اعترض عليه من يعترض من الناس فإنه لا يخافه، بل يجب أن يكون الخوف من الله وحده، فإن ترك واجباً مما أوجبه الله، أو فعل محرماً مما حرمه الله خوفاً من الناس؛ فإن هذا يكون نقصاً في الإيمان والتوحيد وقدحاً فيهما، وربما كان دليلاً في النهاية على زوال الإيمان، كما تدل عليه الآية:{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٧٥]، وقد يكون دليلاً على ضعفه.