للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة السحر وأنواعه]

السحر من أعظم المحرمات، والسحر الحقيقي -كما يقول أهل التحقيق- لا ينفك عن الشرك؛ لأنه بواسطة الشيطان، ولا يتأتى سحر إلا بواسطة الشياطين، ويكون شركاً بالله جل وعلا وكفراً، فيجب أن يحذر وأن يتنبه منه، وللأسف أنه في وقتنا الحاضر كثر السحر في بلاد المسلمين بواسطة من يأتي من الخارج، ومن لا خلاق له، ويتخذ هذا مهنةً له، ويريد أن يتحصل على أمور معينة بواسطة هذا السحر؛ لأنهم يتعلمونه ويعرفونه، ثم السحر الذي له حقيقة ليس معناه كما يقول بعض الناس: إنه قد يغير الأعيان ويقلبها من عين إلى عين أخرى، هذا لا يمكن؛ لأنه لو كان هذا لكان السحرة ملوك الدنيا، وأغنياء الخلق، ولم يقف في وجههم شيء، ولو وقف في وجههم أحد جعلوه حجراً أو حماراً ولكنهم في الواقع أفقر الناس، وأخس الناس وأذلهم، يتخفون بأمرهم، ولا يظهرونه خوفاً، وتجدهم أفقر الخلق، إذاً: لا يستطيع أحدهم أن يجعل الحجر ذهباً، فيقلب الأعيان، ولا يستطيع أن يجعل الإنسان حماراً، هذا لا يمكن، ولكنهم يعملون أعمالهم التي تكون بواسطة الشياطين فيحصل المرض والضر، ويحصل الفساد بواسطة ما يحدث.

ومن السحر شيء تخييلي لا حقيقة له، كما قال الله جل وعلا: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:٦٦] يعني: الحبال والعصي التي ألقوها، فقوله: (يخيل إليه) يعني: يدلنا على أن الواقع أنه ليس كذلك، وأنها لا تسعى، وإنما هو خيال.

وقد قال بعض العلماء: إنهم فعلوا حيلة، فأخذوا العصي، ونحتوا وسطها، وملئوها زئبقاً، وكذلك الحبال لفوا عليها زئبقاً، وجاءوا إلى الأرض التي يريدون أن يلقوا عليها هذه الأشياء، وحفروا فيها خنادق ووضعوا فيها النيران لكي تحمي الأرض فألقوها، والزئبق إذا ألقي بهذه الصفة على أرض حارة صار يتحرك، فصارت الحبال والعصي تتحرك بسبب ذلك، فهذه حيلة إذا كان كذلك، وهو نوع من السحر.

وقد يكون السحر في أعين الناس، تخيل إليهم أن هذا الشيء كذا وهو ليس كذلك، مثلما يقع لبعض الناس أنه يأخذ سكيناً فيطعن بها نفسه ويخرج الدم، وقد يلقي نفسه في النار وما أشبه ذلك، وهذا يكون في عين الإنسان فقط، والواقع أنه لا يعمل شيئاً من ذلك، وهذه حيل، وبعض الأذكياء قد يعمل أعمالاً خفية، ويظهر للناس أنه يعمل أشياء ويلفت أنظارهم إلى شيء آخر، ثم يأتي بشيء خلاف ذلك بسرعة، فيخيل إليه أنه فعل شيئاً عجيباً وغريباً.

ثم هناك سحر من نوع آخر: بواسطة عبادة النجوم ومخاطبتها، واستنزال ما يسمونه: روحانياتها، ويزعمون أنها أرواحها أو أنها ملائكة تقوم على تدبيرها وتسخيرها، والواقع أنها شياطين تضلهم، ولهذا يبنون لها هياكل على صورها كما زعموا، وقد يضعون في هذه الهياكل أصناماً، ثم يلبسون ثياباً على صفة معينة، ويدخنون بأدخنة وأبخرة، ويدعون بدعوات ونداءات معينة، ويستمعون لذلك، وهي دعوات الشياطين، فتكون بواسطة الشيطان، فيأتيهم الشيطان ويقضي بعض مآربهم بواسطة أمور يعملها.

وقد يكون السحر نوعاً آخر بواسطة الشيطان، وهو الذي كثيراً ما يقع من أن الساحر يعبد الشيطان عبادة صريحة ويدعوه، ثم إذا جاءه من يريد السحر اجتهد في دعوة هذا الشيطان، وقدم له عبادة، وصار يناديه ويتضرع له حتى يأتي إليه، فيشترط عليه شروطاً: أنك تعمل وتعمل كذا فيلقي شروطه على الذي يريد أن يسحر له، يقول: لابد أنك تذبح كذا أو تأتي بطعام على صفة كذا أو أنك تبقى في المكان الفلاني في مكان معين خالٍ من الناس فتبقى وأنت كذا وكذا فإذا امتثل ذلك أرسل ذلك الشيطان الكبير -الذي عبده وصار يتضرع له- شيطاناً آخر يجعله واسطة بينه وبين المسحور، يراقب هذا المسحور ويذهب إليه، فإذا انتهز فرصة تلبس به، وإن كان هذا المراد سحره يتحصن بالأذكار والإيمان لا يستطيع أن يأتي إليه، ويصعب عليه جداً، وقد يراقبه وقتاً طويلاً فإذا غفل أو حصل له انفعال من غضب أو ما أشبه ذلك تلبس به فعمل فيه السحر، وقد يلقي السحر في بدنه، وقد يعمله في خارج البدن وغير ذلك، وهذا النوع كثيراً ما يحصل، فيحس الساحر أنه وقع سحره في شيء يحفظه.

والمقصود: أن هذا كله عبادة لغير الله جل وعلا، وتقرب إلى الشيطان بما يحب من إضرار الناس، وإفساد أبدانهم وأخلاقهم وأديانهم، فلهذا يجب محاربة السحر، وسيأتي أن حكم الساحر أن يقتل.