قال الشارح رحمه الله: [قال أبو جعفر بن جرير في هذه الآية: يقول تعالى ذكره: ((وَلا تَدْعُ)): يا محمد! من دون معبودك وخالقك شيئاً ((لا يَنْفَعُكَ)): في الدنيا ولا في الآخرة ((وَلا يَضُرُّكَ)): في دين ولا دنيا، يعني بذلك: الآلهة والأصنام، يقول: لا تعبدها راجياً نفعها أو خائفاً ضرها، فإنها لا تنفع ولا تضر ((فَإِنْ فَعَلْتَ)): ذلك فدعوتها من دون الله {فَإِنَّكَ إِذَاً مِنَ الظَّالِمِينَ}[يونس:١٠٦] يقول: من المشركين بالله الظالم لنفسه]: قوله: يعني بذلك: الأصنام، ليس معنى هذا تخصيص الدعاء بالأصنام فقط، فإن الآيات عامة، ويدخل فيها كل مدعو، ولكنه أراد الواقع الذي نزلت فيه الآية، وقيل: لما خوطب الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك: كان القوم الذين قُصدوا بهذا الخطاب يدعون الأصنام، فكذلك إذا كان غيرهم يدعو مَن يقوم مقام الأصنام، مثل: صالح من الصالحين، أو ولي من الأولياء، أو نبي من الأنبياء، يدعونه الدعوة التي لا تجوز إلا لله: ككشف الضر أو جلب النفع، فإن هذا الخطاب يكون شاملاً لهم، وهذا باتفاق العلماء: أنه لا يعتبر خصوص السبب الذي نزل الخطاب من أجله، وإنما المعتبر عموم اللفظ، وهذا شيء مشهور، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، في جميع خطاب الشرع.
قال الشارح رحمه الله: [قلت: وهذه الآية لها نظائر: كقوله تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهَاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}[الشعراء:٢١٣]، وقوله:{وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهَاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}[القصص:٨٨]]: يعني: نظيرها في مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك الخطاب، ومعلوم أن الله جلَّ وعلا كرمه ونزهه وحماه أن تقع منه دعوة لغير الله جلَّ وعلا، وفائدة هذا: أن ينتبه الإنسان إلى خطورة الشرك، فإذا كان أشرفُ الخلق لو وقع منه ذلك لوقع عليه العذاب فغيره من باب أولى، هذا هو المقصود من الخطاب، أعني: التنبيه.