[الأمر بالصبر والرضا يدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان]
قوله:(إن هذا يدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان) وذلك لأن الصبر والتسليم عمل، فيحبس لسانه عن التشكي وجوارحه عن اللطم أو الشق أو ما أشبه ذلك، فهذه من أعمال الجوارح لا من عمل القلب، فهذا دليل واضح على أن الأعمال داخلة في الإيمان؛ لأنه قال:(فمن يؤمن) يعني: يؤمن بالصبر ويسلم، وكذلك إذا أمكن أن يرضى فهو صبر عظيم، وعلى كل: الرضا ليس واجباً على القول الصحيح.
وكذلك قول سعيد بن جبير أنه قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا أيضاً دليل على أن العمل يدخل في مسمى الإيمان؛ لأنه قال جل وعلا:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ}[التغابن:١١]، فهو يقول: الإيمان بأنه قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويفسره بأنه الرضا والصبر والتسليم، وسواء قلنا هذا أو هذا.
والصواب أن كله داخل في هذا، فيكون دليلاً واضحاً على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، بمعنى: أن الإيمان يكون تصديقاً وعلماً وقولاً وعملاً، ومجموع هذه هو الإيمان.
وبعبارة أخرى نقول: يكون الإيمان مركباً من أمور ثلاثة: من التصديق والعلم، ومن القول الذي هو قول اللسان، ومن العمل الذي هو عمل الجوارح، فالمجموع كله هو الإيمان، فيكون الإيمان مركباً من أجزاء ثلاثة، وكل واحد من هذه الأجزاء ركن من هذه الأركان، وليس هذا -مثلاً- من لوازم الإيمان كما يقوله بعض العلماء؛ لأن اللازم غير الركن.
هذا هو قول أهل السنة وهو الصواب، خلافاً لقول أهل البدع: أن الإيمان إما عقيدة قلب -تصديقه- أو أنه العلم، أو أنه مجرد التصديق.
وعلى كل: لا يجوز أن يكون هذا هو تعريف الإيمان؛ لأن الإيمان دخل فيه كل الأعمال التي أمر بها، كالصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها، فهذه من الإيمان، فقد دخل فيه كل عمل يعمله الإنسان يرجو به ثواب الله جل وعلا، وكل ترك يتركه الإنسان خوفاً من الله ومن عواقبه، فالدين كله هو الإيمان.
ومعلوم أن الدين فيه أعمال القلوب التي منها: الخوف والخشية والإنابة والرجاء وما أشبه ذلك، وهذا كثير، وعمل اللسان مثل: الذكر والتلاوة والتكبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه عمل الأركان، مثل كونه يصلي أو يبذل المال، أو يعين أخاه المسلم على عمل من الأعمال، أو يزيح شيئاً يؤذي المسلمين من الطرق أو غيرها، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، ومعلوم أن قول لا إله إلا الله هو عمل اللسان، وإماطة الأذى عن الطريق فعل الجوارح، ومعلوم أن الخشية والإنابة والرجاء والخوف داخل في ذلك الإيمان، والتصديق بما جاء عن الله ورسوله، وهذا هو الذي يتبعه أهل السنة دون أهل البدع، وهو الذي دلت عليه النصوص من القرآن ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرته ودعوته، والأمر واضح وجلي والحمد لله، وليس فيه خفاء.