للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) يعني: بسواهما, ما يحبه الإنسان بطبعه كمحبة الولد والمال والأزواج ونحوها، فتكون (أحب) هنا على بابها].

قد يأتي الإشكال الذي جاء في صحيح مسلم في حديث الرجل الذي كان يخطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله)، فلابد أن يفرق بين الله وبين الرسول في المعصية، وهنا يقول: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، قال: (سواهما): فجمعهما في ضمير الجمع، فهنا يحتاج إلى جواب, وقد أجيب عن هذا بأجوبة منها: أن المعصية كل واحدة منهما مستقلة, معصية الله ومعصية رسوله، إذا عصى الرسول فقد عصى الله, وإذا عصى الله فقد عصى رسوله صلى الله عليه وسلم, والمحبة المعتبر فيها المجموع، يعني: أن يحب الله جل وعلا ويحب رسوله جميعاً, المحبة لابد من اجتماعهما وهذا يقول عنه الشارح: إنه جواب بليغ, فإذا كان بليغاً وحسناً فيكتفى به.

الجواب الثاني: أن هذا على سبيل الأدب يعني: أنه من الأدب المستحب أن يفرق بين الضميرين, ولا يجمع بينهما, وهذا يدل على الجواز، فيكون النهي ليس للتحريم في قوله: (بئس خطيب القوم أنت)، وإنما ينبغي أن يسلك هذا المسلك من باب الاستحباب.

الجواب الثالث: أن الخطبة محل البيان والإطناب والإيضاح, خلاف الكلام الذي يراد منه الحفظ والفهم, ففرق بين الخطبة وبين الكلام الذي يراد منه التعليم، فإنه غالباً يكون موجزاً جامعاً حتى يحفظ, كما كانت عادة الرسول صلى الله عليه وسلم.

الجواب الرابع: أن هذا جاء على الأصل السابق, والحديث الذي في صحيح مسلم -حديث نهي الخطيب- نقل عن الأصل, فيجب أن يصار إليه، يعني: يكون شبه ناسخ له، هذا معناه، يعمل بما جاء في حديث الخطيب فلا يجمع بين الضميرين ويكون حديث أنس قبل ورود النهي.

هذه أجوبة العلماء على هذا، والله أعلم.