[إقرار المشركين بتوحيد الربوبية وشركهم في توحيد الإلهية]
قال الشارح رحمه الله: [وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شيء، وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به، وجعلوا له أنداداً، قال تعالى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الزمر:٤٣ - ٤٤]، وقال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[يونس:١٨]].
قوله تعالى في هذه الآية:(قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ) الذي لا يعلمه الله جل وعلا ليس له وجود أصلاً، فهذا إبطال بليغ لدعوتهم الشفعاء، يعبدون من دون الله الذين يتخذونهم من الأصنام ومن الأشخاص ومن غير ذلك، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ويقول الله جل وعلا آمراً رسوله:(قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ)، فهل يمكن أن يكون شيء في السماء أو في الأرض لا يعلمه الله؟ لا يمكن أن يوجد شيء في السماء في الأرض إلا ويعلمه الله، والله جل وعلا لا يعلم آلهة في السماء ولا في الأرض، وأن هناك من يشفع دونه، فمعنى هذا أنه لا وجود له أصلاً.
وقوله في الآية الأولى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ}[الزمر:٤٣] يقول المفسرون: كل ما جاء من القرآن (أم) فمعناها: بل، أي: بل اتخذوا من دون الله شفعاء.
يقول جل وعلا:(أم تخذوا من دون الله شفعاء) مع أنهم لا يملكون شيئاً ولا يعقلون؛ لأنهم إما حجر وإما شجر وإما ميت لا يسمع ما يقال نحو ويدعى به، ولو سمع ما استطاع أن يجيب، بل لا يستطيع أن ينفع نفسه، فإذاً دعوتهم ذاهبة في ضلال في الواقع، فكيف يجوز للعاقل أن يسلك هذا المسلك؟ ثم يقول جل وعلا بعدها:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر:٤٤]، فهذا عموم لا يخرج منه شيء، كل شفاعة تقع يوم القيامة هي لله، والمعنى أنه لا تقع شفاعة عند الله جل وعلا إلا إذا أمر الشافع أن يشفع، والله جل وعلا لا يأمر الأصنام أن تشفع، ولا يأمر المعبودات دونه أن تشفع لأحد.