للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعظيم قدر الصلاة]

جاءت أحاديث كثيرة تدل على تعظيم الصلاة، منها قوله صلوات الله وسلامه عليه: (أول ما يحاسب عنه العبد الصلاة، فإن صلحت صلاة فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت لم ينظر في سائر عمله)، ومنها أنه صلاة الله وسلامه عليه كان في سياق الموت يوصي بها ويقول: (الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم)، والأحاديث في هذا كثيرةٌ جداً عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم الصلاة، فيجب على المسلمين أن يهتموا بها غاية الاهتمام، وألا يتهاون المسلم في شيء من صلواته؛ لأن الصلاة -كما جاء في الحديث- آخر ما يفقد من الدين، وإذا فقدت الصلاة فقد ذهب الدين كله، (أول ما يفقد من الدين الأمانة، وآخر ما يفقد الصلاة)، والأمانة ما كلٌ يستطيع القيام بها، وقد أخبر الله جل وعلا أن الأمانة عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان لأنه ظلوم جهول، لهذا السبب، وإذا اجتمع الظلم والجهل أصبح كل شر يحتمل أن يكون في شخص ظلوم جاهل لا يبالي ولا يقدر الأمور ولا ينظر في العواقب، فيجتمع عليه كل شيء، نسأل الله العافية.

والمقصود أن الصلاة أمرها عظيم جداً، ومن ذلك ما جاء في الحديث أن الله يسأل الملائكة الذين وكلوا بحفظ أعمالنا في الليل والنهار؛ لأنه يتعاقب جماعة منهم علينا بالليل وجماعة منهم بالنهار، فيجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيصعد الذين باتوا ويبقى الذين يريدون أن يبقوا في النهار حتى تأتي صلاة العصر، فإذا صعدوا سألهم الله جل وعلا وهو أعلم: (كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)، والمشكلة إذا كانوا نياماً أو يلعبون فما الجواب؟ هذه مشكلة، أتيناهم وهم يلعبون.

أو تركناهم وهم يلعبون أو نائمون، وهذا في المصلين فقط، أما غيرهم فقد علم ماذا يكون مصيرهم عند الله جل وعلا.

والمقصود أن هذا يدل أيضاً على تعظيم الصلاة، ولهذا أمر بإقامتها في آيات كثيرة، وكلما جاء ذكر الصلاة يقول جل وعلا: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [الأنفال:٣]، {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام:٧٢]، وما جاء في القرآن (صلوا) أو (أدوا الصلاة)، بل (أقيموا)، فالإقامة يقصد بها أن يؤتى بها تامة بشروطها وما يلزم لها، لا مجرد قيام كل إنسان فيها؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، وإذا دخل في الصلاة فقد دخل على الله جل وعلا، وإذا رفع يديه عند التكبير وقال: (الله أكبر) يقول العلماء: هذا عبارة عن رفع الحجاب بينه وبين ربه، فإنه يخاطب ربه جل وعلا، فليتأدب مع الله وليحضر قلبه؛ لأن الله ينظر إليه ويسمع كلامه، وهو قريب منه، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، فعلى الإنسان أن يهتم بصلاته.