للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنكار الجهمية لصفة الكلام لله عز وجل]

لم يكن أحد من المسلمين ينكر شيئاً من صفات الله، حتى جاءت فرقة يقال لها: الجهمية، وأول من عرف بإنكار ذلك رجل مشبوه دخيل في الإسلام، يظن أنه من اليهود، وإن لم يكن من اليهود فهو تلميذ لهم تربى في أحضانهم، فأول من عرف عنه إنكار هذا رجل يقال له: الجعد بن درهم، وأخذ عن أبان بن سمعان، وأبان بن سمعان هذا أخذ عن يهودي ابن ساحر من سحرة اليهود، ولشناعة قوله وقبحه، لما أظهره نفرت النفوس والفطر عنه، وأنكره كل الناس، بل استعظموا ذلك، ورفعوا أمره إلى أحد قواد بني أمية في آخر دولتهم، وهو خالد بن عبد الله القسري، فأخذه وقيده، وكان في عيد الأضحى، فجاء به مقيداً إلى المصلى، وقد جرت العادة أن القائد الذي يتولى قيادة الجيش لابد أن يستطيع أن يفصل الأمور ويقضي ويخطب ويصلي بالناس وإلا لا يصلح للقيادة، فلما حضرت صلاة العيد قام يخطب الناس، وفي آخر خطبته قال: أيها المسلمون! ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم؛ لأنه يزعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عن قوله علواً كبيراً، ثم نزل من على المنبر وقتله، فضحى به، فشكره الناس على ذلك، وأثنوا على صنيعه؛ لأن هذا ملحد خارج من دين الله وشرعه، مخالف للفطر والعقول.

ثم بعد ذلك نبغ تلميذ له يقال له: الجهم بن صفوان، ونشر فساده ثم أدرك وقتل، فهذه العقيدة الفاسدة جاءت من هؤلاء، ثم نمت الفتن وازدادت لمن يربيها وينميها قاصداً بها إفساد العقيدة، وقد علم من التاريخ أن الكفار لم يعجبهم الإسلام ولا عقائده، وما استطاعوا أن يواجهوا الإسلام بالقوة أو بالجيوش فأصبحوا مقهورين مهزومين مدحورين، من أجل ذلك ذهبوا إلى تأسيس المؤسسات التخريبية لإفساد العقيدة ومحاربتها من داخل المسلمين، فيدخل في المسلمين من ليس منهم؛ لأجل بث الفساد، وإفساد عقائدهم التي صاروا أقوياء بها، فدخل الكثير في دينهم تستراً وخفية وقصدهم الإفساد، وإلى الآن وهذه المؤسسات التخريبية تبث سمومها في أوساط المسلمين، ولكن أساليبهم وطرقهم تختلف حسب مقتضيات الحال.

والواقع أن من المسلمين المغرر بهم من ينكر كلام الله جل وعلا، ومع ذلك فالأمر واضح وجلي، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان)، والله جل وعلا أخبرنا أنه يحاسب عباده، وأنه سريع الحساب، فهو الذي يتولى حسابهم جل وعلا.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث الشفاعة المتفق عليه: (إن الله يأتي لفصل القضاء، وهم وقوف في الموقف، فيخاطبهم جل وعلا فيقول: أليس عدلاً مني أن أولي كل واحد منكم ما كان يتولاه في الدنيا؟ فكلهم يقولون: بلى يا رب!)، وما أظن أنه يخلو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مقطع من آيات الله جل وعلا وكتابه من إثبات أن الله يتكلم ويكلم ويخاطب ويفعل ما يريد جل وعلا، وهو فعال لما يريد، فكيف ينكر مثل هذا؟ وإذا أنكرت مثل هذا فمعنى ذلك أن تنكر عبادته وأنه هو المعبود الحق الواحد، وقد عاب الله جل وعلا على الذين عبدوا العجل والأصنام بأن هذه المعبودات لا تملك رد الخطاب إذا خاطبوها، فهذا دليل على أن المعبود الذي يجب أن تكون العبادة له يسمع من دعاه، ويخاطبه إذا شاء.