للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب عدم ذكر الصوم والحج في حديث معاذ]

قال الشارح: [واعلم أنه لم يذكر في الحديث الصوم والحج، فأشكل ذلك على كثير من العلماء، قال شيخ الإسلام رحمه الله: أجاب بعض الناس أن بعض الرواة اختصر الحديث، وليس كذلك؛ فإن هذا طعن في الرواة؛ لأن ذلك إنما يقع في الحديث الواحد، مثل حديث وفد عبد القيس، حيث ذكر بعضهم الصيام وبعضهم لم يذكره، فأما الحديثان المنفصلان فليس الأمر فيهما كذلك.

ولكن عن هذا جوابان: أحدهما: أن ذلك بحسب نزول الفرائض، وأول ما فرض الله تعالى الشهادتين، ثم الصلاة، فإنه أمر بالصلاة في أول أوقات الوحي، ولهذا لم يذكر وجوب الحج كعامة الأحاديث، إنما جاء في الأحاديث المتأخرة.

الجواب الثاني: أنه كان يذكر في كل مقام ما يناسبه، فيذكر تارة الفرائض التي يقاتل عليها كالصلاة والزكاة، ويذكر تارة الصلاة والصيام لمن لم يكن عليه زكاة، ويذكر تارة الصلاة والزكاة والصوم، فإما أن يكون قبل فرض الحج، وإما أن يكون المخاطب بذلك لا حج عليه.

وأما الصلاة والزكاة فلهما شأن ليس لسائر الفرائض، ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه القتال عليهما؛ لأنهما عبادتان ظاهرتان، بخلاف الصوم فإنه أمر باطن من جنس الوضوء والاغتسال من الجنابة ونحو ذلك مما يؤتمن عليه العبد، فإن الإنسان يمكنه ألا ينوي الصوم وأن يأكل سراً، كما يمكنه أن يكتم حدثه وجنابته، وهو صلى الله عليه وسلم يذاكر الأعمال الظاهرة التي يقاتل الناس عليها.

ويصيرون مسلمين بفعلها].

لا يصلح أن يقال: (يذاكر)؛ فالرسول لا يذاكر أحداً، والمعنى: يذكر لهم الأعمال التي يقاتل عليها.

قال الشارح رحمه الله: [فلهذا علق ذلك بالصلاة والزكاة دون الصوم وإن كان واجباً، كما في آيتي براءة نزلت بعد فرض الصيام باتفاق الناس، وكذلك لما بعث معاذاً إلى اليمن لم يذكر في حديثه الصوم؛ لأنه تبع وهو باطن، ولا ذكر الحج؛ لأن وجوبه خاص ليس بعام، ولا يجب في العمر إلا مرة.

انتهى بمعناه.

وقوله: (أخرجاه) أي: البخاري ومسلم، وأخرجه أيضاً أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه].