[النبي عليه الصلاة والسلام كان يعلم أصحابه صفات الله تعالى]
الواجب على العبد أن يتعرف على الله بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(آخر من يخرج من النار -يعني: من أهل التوحيد- رجل يخرج منها، ويجعل وجهه إليها، فلا يستطيع أن يلتفت بوجهه عنها، فيبقى يدعو: يا رب اصرف وجهي عن النار، فقد آذاني قشبها، ونتن ريحها، لا أسألك غير هذا، فإذا طال سؤاله يقول الله جل وعلا له: لعلك إذا أعطيتك ما سألت تسأل غيره؟! فيقول: لا وعزتك، لا أسألك غيره، فيستجيب الله جل وعلا له، ويصرف وجهه عن النار، ثم ترفع له شجرة خضرة يراها، فيصبر ما شاء الله أن يصبر، ثم بعد ذلك يقول: يا رب أوصلني إلى تلك الشجرة؛ لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيبقى يدعو وقتاً، فيقول الله جل وعلا له: يا بن آدم! أين ما أعطيت من العهود؟ ما أغدرك! فيقول: يا رب لا تجعلي أشقى خلقك، والله يعذره، لأنه يرى شيئاً لا يصبر عليه، فيقول الله جل وعلا له: لعلك إن أعطيتك ما سألت تسأل غيره؟ فيقسم بالله أنه لا يسأل غير هذه الشجرة، ويعطي العهود والمواثيق، فيوصله الله جل وعلا إلى الشجرة، فإذا وصل إليها ترفع له شجرة أحسن منها وأجمل، فينظر إليها، فيصبر ما شاء الله أن يصبر، هم يقول: يا رب أوصلني إلى تلك الشجرة، لا أسألك غيرها، فيقول الله جل وعلا له: يا بن آدم! ويلك ما أغدرك! ألم تعط العهود والمواثيق أنك لا تسأل غيرها؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيقول: لعلك إن أعطيتكها تسأل غيرها، فيقول: لا والله لا أسألك غيرها وعزتك وجلالك، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فإذا وصل إليها رأى الجنة ثم ينفتح له باب الجنة، فيرى داخلها ما لا يتصوره، فينفذ صبره ويسأل ربه فيقول: يا رب أدخلني الجنة، يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله جل وعلا: أين العهود؟ يقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، ثم يقول له جل وعلا: أرأيت لو أعطيتك الدنيا ومثلها أيكفيك؟ فيقول هذا الرجل: يا رب أتسخر بي وأنت رب العالمين؟ عند ذلك ضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تسألوني مما أضحك؟ قالوا: مم تضحك؟ قال: أضحك من ضحك رب العالمين إذ قال له: أتسخر بي وأنت رب العالمين؟ فضحك الله، فيقول: لا ولكني على ما أشاء قدير، ثم يقول: تمنَّ! فيتمنى فتنقطع به أمنيته، فيقول له جل وعلا: تمن كذا وكذا وكذا، يذكره، فإذا انتهت أمنيته قال: لك هذا وعشرة أمثاله، هذا أدنى أهل الجنة منزلة).
فتأمل هذه المحاورة وهذه الخطابات الكريمة التي يُخَاطب بها هذا الرجل، فما موقف أهل البدع من هذا؟ لا يؤمنون به -نسأل الله العافية-.
وفي صحيح البخاري أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهو جالس معهم: (إن رجلاً من أهل الجنة يستأذن ربه بالزرع، يقول: يا رب! أريد أن أزرع، فيقول الله جل وعلا له: ألم أكن أغنيتك مما تطلب؟ فيقول: بلى يا رب، ولكن أريد أن أزرع، فيقول الله جل وعلا: نعم فازرع، فيزرع فينبت الزرع ويستوي حتى تكون الحبوب أمثال الجبال، ثم يقول الله جل وعلا له: دونك يا بن آدم، فإنه لا يملأ بطنك شيء، عند ذلك قال أعرابي جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! هذا الرجل إما من المهاجرين أو من الأنصار، أما نحن فلسنا أصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم).
والمقصود من هذا: أن آحاد أهل الجنة يخاطب ربه إذا شاء، ويخاطبه الله ويكلمه بلا واسطة، وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه بلا ترجمان) كل واحد يكلمه ربه جل وعلا عند المحاسبة فيقول: يا فلان ألم تعمل كذا وكذا؟ ألم تعمل كذا وكذا؟ أشياء كثيرة جداً، كيف نترك ما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم، ونأخذ قول الذين تربوا في أحضان اليهود، أو تلقوا علومهم من اليونان، أو من حكماء الهنود، أو من الصابئة والزنادقة، والله ما يفعل هذا إلا من ضل سعيه في هذه الحياة الدنيا -نسأل الله العافية-، ولو ذكرنا بعض الأشياء التي تدل على أوصاف الله جل وعلا لطال الكلام جداً، ولكن المقصود التنبيه فقط، وأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتقبلون هذه الخطابات بدون استفسار أيضاً؛ لأنهم مقتنعون بها تماماً، ولم يأت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تعتقدوا ظواهر هذه النصوص أبداً، ومن المعلوم قطعاً عند كل مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر الأمة على ما ظاهره الباطل أو الكفر.
وقد جاء في السنن والمسانيد والأحاديث الصحيحة الشيء الكثير من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأمته آداب الأكل وآداب قضاء الحاجة، وآداب دخول الحمام، وآداب النوم، وآداب دخول البيت، وآداب المشي، وآداب الجلوس، جاءت في أحاديث صحيحة كثيرة، يعلمنا إياها صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا قال يهودي مخاطباً أحد الصحابة: إن نبيكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءة، يعني: قضاء الحاجة، حيث يقول:(إذا ذهب أحدكم لقضاء الحاجة فليستجمر بثلاثة أحجار، ولا يستجمر بعظم ولا بروث)، فذهب هذا الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له هذا القول، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(أجل إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم كل ما ينفعكم) هل يتصور أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذه الآداب التي لو تركها المسلم ما كان عليه ذنب ولا عقاب، مثل: أدب الأكل أو الجلوس أو المشي، وأدب دخول المنزل، والنوم، ودخول الحمام، فهل يعلمنا هذا ويترك معرفة الرب جل وعلا لا يعملنا إياه، وهو أصل الإيمان وأساس الدين؟ هذا لا يجوز أن يعتقد أصلاً، ومن اعتقد هذا فلم يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ.