قال الشارح: [وقال الحافظ: وقد ظهر مصداق ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مسيلمة الكذاب باليمامة، والأسود العنسي باليمن، وفي خلافة أبي بكر طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة، وسجاح في بني تميم، وقتل الأسود قبل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، قتله وحشي قاتل حمزة يوم أحد، وشاركه في قتل مسيلمة يوم اليمامة رجل من الأنصار، وتاب طليحة، ومات على الإسلام في زمن عمر رضي الله عنه.
ونقل أن سجاح تابت أيضاً، ثم خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي، وغلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير، وأظهر محبة أهل البيت، ودعا الناس إلى طلب قتلة الحسين، فتتبعهم فقتل كثيراً ممن باشر ذلك وأعان عليه، فأحبه الناس، ثم ادعى النبوة، وزعم أن جبريل عليه السلام يأتيه، ومنهم الحارث الكذاب خرج في خلافة عبد الملك بن مروان فقتل، وخرج في خلافة بني العباس جماعة.
وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقاً، فإنهم لا يحصون كثرة؛ لكون غالبهم تنشأ دعوته عن جنون أو سوداء، وإنما المراد من قامت له شوكة، وبدى له شبهة كمن وصفنا، وقد أهلك الله تعالى من وقع له منهم ذلك وبقي منهم من يلحقه بأصحابه، وآخرهم الدجال الأكبر.
قوله:(وأنا خاتم النبيين) قال الحسن: الخاتم الذي ختم به يعني أنه آخر النبيين كما قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب:٤٠]، وإنما ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان حاكماً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، مصلياً إلى قبلته، فهو كواحد من أمته، بل هو أفضل هذه الأمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(والذي نفسي بيده! لينزلن فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية)].
معنى يضع الجزية يعني: أنه لا يقبلها، لا يقبل من الناس إلا الإسلام أو القتل، هذا معنى يضع الجزية، وليس هذا تشريع جديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به فدل على أنه شرع، فعيسى عليه السلام ينزل ويحكم بهذه الشريعة، ويكون من هذه الأمة، فهو أفضلها لأنه نبي، بل هو من أولو العزم من الرسل.