للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكرامات وما حصل منها للصحابة]

قال الشارح: [قوله: عن سهل بن سعد.

أي: ابن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس، صحابي شهير، وأبوه صحابي أيضاً، مات سنة ثمان وثمانين وقد جاوز المائة.

قوله: (قال يوم خبير)، وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال: كان علي رضي الله عنه قد تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان أرمد، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فخرج علي رضي الله عنه، فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله عز وجل في صباحها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأعطين الراية -أو ليأخذن الراية- غداً رجلاً يحبه الله ورسوله)].

هذا هو الفتح، وليس القتال الذي حدث في خيبر ليلة أو ليلتين أو ثلاث أو عشر ليال، بل بقي رسول الله ما يقرب من شهر أو أكثر وهو يقاتلهم، وهم حصون متفرقة كلما فتح حصناً ذهب إلى الآخر، فهذا الخبر وقع في حصن من حصونهم وليس في كل حصون خيبر.

[(أو ليأخذن الراية غداً رجلٌ يحبه الله ورسوله.

-أو قال: يحب الله ورسوله- يفتح الله على يديه.

فإذا نحن بـ علي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول صلى الله عليه وسلم الراية، ففتح الله عليه).

من الأمور التي تذكر ويلهج بها كثير من الناس ويعتقدون فيها اعتقادات باطلة مما جاء في السيرة في هذه القصة ما ذكره ابن إسحاق وغيره أنه لما حضر علي رضي الله عنه إلى هذا الحصن ضرب بالدرقة التي كانت عليه يتقي بها السلاح فسقطت منه، فكان عنده باب من أبوابهم فأخذه واتقى به السلاح، ثم لما انتهى القتال -يعني: فتح الحصن- يقول: حاول ما يقرب من أربعين رجلاً أن يقلبوا هذا الباب فما استطاعوا، هذا يذكره بعض الناس ويقولون: إن هذا من خصائص علي بن أبي طالب.

وهو جاء في السيرة بدون سند، أي: مرسلاً ليس له سند صحيح، ولكن إذا صح هذا فليس غريباً، فإن هذا من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآيات التي حدثت للصحابة كثيرة جداً، حتى إنه جاءت أشياء غريبة جداً، مثل كونهم يخوضون البحر وهم على خيولهم فلا تبتل ثيابهم، بل إن خيلهم كانت تقع على الماء وكأنها تقع على الرمال، كما ذكر عن سعد بن أبي وقاص في غزوته للفرس في القادسية، وكذلك ابن الحضرمي حصلت له نفس القصة، وأنهم أيضاً فقدوا الماء فدعوا الله فجاءهم الغيث من السماء فاستقوا وارتووا، ثم وقف المطر، فلما ساروا قليلاً وجدوا الأرض يابسة، ثم إنه لما حضرت أحدهم الوفاة سأل الله ألا يراه أحد حتى لا يرى عورته، فطلبوه عندما أرادوا دفنه فما وجدوه.

وكذلك ما حصل لـ ثابت بن قيس بن شماس يوم القادسية، وآيات كثيرة خارقة للعادة، بل جاء ما هو من أعجب من هذا وهو إحياء الموتى، فبعضهم حيي بعدما مات وصار يتكلم ويخاطبهم، ثم بعد ذلك مات، وكل هذا من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على معجزاته وصدقه وما جاء به؛ لأنها حصلت لأتباعه الذين يتبعونه ويؤمنون بأن هذا من آياته، وأن الله أعطاهم ذلك كرامةً لهم على اتباعهم دينه، ومعلومٌ أن الإيمان بكرامات الأولياء من أصول أهل السنة، ولكن لا تدل على أن هذا الفعل من الرجل نفسه، أو أنه يتخذ إلهاً من دون الله جل وعلا لأجل أنه عنده كرامة، كما حدث لكثيرٍ من الناس إذا سمعوا أن هذا العالم أو هذا الرجل له كرامات اتخذوا قبره صنماً يعبد، وصاروا يدعونه، كما حصل لـ عبد القادر الجيلاني لما ذكر له من الكرامات صار قبره من أكبر الأوثان التي تعبد اغترارا وجهلاً بالواقع، فالواقع أن هذا ليس للإنسان فيه دخَل، وإنما هو من الله جل وعلا، وإذا حصل له شيءٌ من ذلك فهو لحاجته حين احتاج إليه فأكرمه الله جل وعلا بذلك، وهو من الله ولا يحصل إلا بالإيمان، وقد يحصل شيء من هذا النوع أو قريب منه لمن هو ليس على الهداية والدين، ولهذا يقول العلماء: لا تغتر بما يحصل على يد الرجل وإن رأيته يطير في الهواء أو يمشي على الماء حتى تنظر إلى وقوفه عند محارم الله وحدوده، وكيفية اتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك لكتاب الله، فإذا رأيته متبعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله وقافاً عند حدوده فعالاً قواماً بالواجب عند ذلك يعتقد أنه من الأولياء؛ لأن الله جل وعلا يقول: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢ - ٦٣]، هؤلاء هم الأولياء ((الذين آمنوا وكانوا يتقون)).

وقد قص الله جل وعلا علينا من كرامات الأولياء في كتابه أشياء كثيرة، مثل ما حصل لمريم عند ولادتها، وكذلك قبل الولادة، كانت تأتيها فواكه لا تعرف: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:٣٧] في وقت لا تعرف فيه الفاكهة تأتيها، فكل ذلك من الله جل وعلا، ويكون إكراماً للعبد، ولكن إذا كان طائعاً لله جل وعلا، أما إذا كان عاصياً فقد يحصل له شيء من هذا النوع ويكون إهانة واستدراجاً ومكراً به فيتمادى في المعصية ويضل فيضل من اتبعه، ولهذا السبب قال العلماء: لا يغتر بالشخص وما يحصل له حتى ينظر إلى سلوكه وعمله هل هو متبع أو مبتدع.

فإن كان متبع علم فهو ولي، وإن كان مبتدعاً علماً فهو شقي، وهذا غالباً يكون من الشيطان.