للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا وجود للأبدال والأقطاب والأوتاد]

قال المصنف رحمه الله: [وأما ما قالوه: إن منهم أبدالاً ونقباءَ، وأوتاداً ونجباءَ، وسبعين وسبعة، وأربعين وأربعة، والقطب هو: الغوث للناس، فهذا من موضوعات إفكهم، كما ذكره القاضي المحدث أبو بكر بن العربي في سراج المريدين، وابن الجوزي، وابن تيمية رحمهم الله.

انتهى باختصار].

يعنون: أن هذا من الكذب وليس له أصل، وإنما جاء ذكر الأبدال في بعض الآثار، وفيها نظر عند بعض العلماء، وجاء: (أن الأبدال بالشام) ومعنى الأبدال: أنه كلما ذهب واحد منهم جاء غيره بدلاً عنه، وإذا صح ذلك فإن معناه: أنهم الذين يقومون بالدعوة إلى الله، والذين يقومون بالحجة على عباد الله؛ لأن حجة الله لا تضمحل ولا تزول ولا تنتهي، وفي الحديث المشهور: (يحمل هذا العلم من كل خَلَف عدولُه ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين)، وليس فيه أن الأبدال يُدعَون مع الله، وأنهم يغيثون.

أما الذي يسمونه: القطب، أو النجباء، أو السبعين، أو السبعة، أو الأربعة: فهذا من الكذب، ليس هناك ما يدل على هذا، لا من كتاب الله جلَّ وعلا، ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا من أقوال الصحابة وأتباعهم، وإنما هو من الكذب، وقد بين العلماء أن هذا لا أصل له، وإذا كان هناك أولياء لله جلَّ وعلا فهم لا يرضون بأن يدعَون مع الله، بل يغضبون لذلك، ويكفرون بالداعي، ويبغضونه ويتبرءون منه، كما أخبر الله جلَّ وعلا عنهم فقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزَّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدَّاً} [مريم:٨١ - ٨٢]، ما معنى (يكونون عليهم ضداً)؟ أي: يكونون ضدهم يوم القيامة: بأن يتبرءون منهم، ويلعنونهم، ويكفرون بهم، كما في الآية الأخرى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً} [العنكبوت:٢٥]، وفي آية ثالثة: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٦]، يعني: إذا جُمعوا يوم القيامة، وقيل لهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تدعونهم، فيذهبون إليهم، ويسألونهم: أأنتم الذين نستغيث بكم ونسألكم؟ فيتبرءون منهم، ويقولون: كذبتم، نحن لا نغيث أحداً، ونحن نبرأ إلى الله منكم ومن أفعالكم، فماذا يكون مع الداعي؟! يكون معه الخيبة والضلال، وغرور الشيطان.

ومعلوم أن الإنسان لا يجوز له أن يفعل فعلاً، أو يقدم على أمر من الأمور، إلا بدليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالعبادة محرمة -كما يقول العلماء- حتى يأتي الدليل، بخلاف أمور المعاملات، وأمور المطعومات والمشروبات، فإن الأصل فيها الحل، حتى يأتي الدليل على التحريم، أما أمور العبادة فبالعكس، ولهذا اتفق العلماء على أن العبادة مبنية على شيئين: أحدهما: أن تكون العبادة خالصة لله جلَّ وعلا.

والثاني: أن تكون على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إذا كانت بالرأي، أو بالعادة التي وجد عليها الناس، فهي غير معتبرة وغير مقبولة، بل مردودة على صاحبها، ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: فهو مردود على صاحبه، فكل عمل ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون معتبراً، ولا يكون صحيحاً.

[والمقصود: أن أهل العلم ما زالوا ينكرون هذه الأمور الشركية التي عمت بها البلوى، واعتقدها أهل الأهواء، فلو تتبعنا كلام العلماء المنكرين لهذه الأمور الشركية لطال الكتاب.

]: الواقع: أنه ما وقع فيها إلَّا الجُهَّال، والجُهَّال لا عبرة فيهم، ولا يجوز للإنسان أن يغتر بهم، أما العلماء فهم لا يزالون ينصحون الأمة ويحذرونها من الوقوع في مثل هذه الأمور؛ لظهورها ووضوحها، فهي واضحة، ومن المعلوم لدى المسلمين في عقائدهم أن الإنسان يُسأل عن أصول الدين في قبره: يُسأل مَن الذي تعبُد؟ وبأي شيء تعبُده؟ ومَن الذي جاءك بما تتعبَّد به؟ هذه الأسئلة الثلاثة لا بد منها لكل ميت، فإذا كان الإنسان عارفاً عالماً بذلك، أجاب بكل سهولة وبلا تلعثم ولا تردد، فيقول: أعبد الله، ويقول: أعبده بالشرع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قيل له: مَن؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفتُه وصدقته فاتبعته، وليس معنى ذلك أن الإنسان إذا عرف اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه، واسم جده، وقال: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم أن هذا يكفي! بل لا بد أن تعرفه المعرفة الصحيحة بأنه رسول من عند الله، تعرفه بالآيات التي جاء بها، وتقتنع بذلك، وتؤمن به إيماناً لا يعتريه الشك.