قال الشارح رحمه الله: [قال المصنف رحمه الله تعالى: (الحمد لله).
معناه: الثناء بالكلام على الجميل الاختياري على وجه التعظيم، فمورده اللسان والقلب.
والشكر يكون باللسان والجنان والأركان، فهو أعم من الحمد متعلقاً وأخص منه سبباً؛ لأنه يكون في مقابلة النعمة، والحمد أعم سبباً وأخص متعلقاً؛ لأنه يكون في مقابلة النعمة وغيرها، فبينهما عموم وخصوص وجهي، يجتمعان في مادة وينفرد كل واحد عن الآخر في مادة].
معنى ذلك أن الشكر يكون متعلقه عاماً، ولكن سببه خاص؛ لأنه يكون مقابلاً للنعمة فقط، و (متعلقه) يعني أنه يتعلق باللسان وبالجوارح، فيتعلق باللسان بالقول والثناء، ويتعلق بالجوارح بالعمل، كما قال الله جل وعلا:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا}[سبأ:١٣]، فجعل العمل شكراً، فيكون الذي يصدر منه الشكر أعم، أما سببه الباعث عليه فيكون أخص من الحمد، والحمد يكون أعم سبباً، فسببه عام ومتعلقه أيضاً أخص، وذلك أن الله جل وعلا يحمد على كل شيء، فيحمد على جميع أفعاله، ويحمد على خلقه، ويحمد على جزائه، ويحمد على فعله، ولهذا أخبر جل وعلا أن له الحمد في المبدأ وفي المنتهى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام:١]، هذا في المبدأ، أما المنتهى فإنه جل وعلا لما ذكر جزاءه للكفار والأنبياء وحكمه بين الأنبياء والشهداء والمؤمنين والكفار، وأنه أدخلهم النار وأدخل المؤمنين الجنة فقال:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا}[الزمر:٧١]، إلى آخر الآيات، ذكر في خاتمة ذلك قوله تعالى:{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الزمر:٧٥]، فقوله:(وقيل) يدل على العموم المطلق، فجميع الخلق قالوا هذا القول، حتى أهل النار حمدوه على قضائه بينهم؛ لأنهم لا يستحقون إلا ذلك، ولا يليق بهم إلا ذلك، فهو يحمد على جميع ما يفعله، يحمد على فعله سواء أكان قضاء، أم كان عقاباً، أم كان إثابة وجزاء، أم كان خلقاً وإيجاداً، أم كان حكماً، أم كان شرعاً أم غير ذلك يحمد عليه، فهذا معنى قوله: إنه أعم سبباً، فأسبابه عامة؛ لأن كل ما يصدر من الله جل وعلا يحمد عليه.