للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا].

فإن قيل: ما الفرق بين هذه الترجمة وبين ترجمة الباب قبله؟ ف

الجواب

بينهما عموم وخصوص، فإرادة الدنيا أعم من الرياء، فقد يعمل الإنسان أعمالاً خالصة لله ولكنه يريد بها حماية نفسه بالصحة وحماية ماله بالتنمية، فيعمل لأجل هذا ويقطع نظره عن كونه يطلب بهذا العمل الجنة والهرب من النار، وكذلك يدخل فيه ما إذا عمل أعمالاً من القرب مثل الأذان وتعلم القرآن وتعلم العلم لأجل الوظيفة وحتى تكون مصدر رزق له، فإذا عمل العمل من أجل ذلك فقد أراد الدنيا بعمله، وهو داخل في الوعيد الذي يأتي ذكره في الآية.

وقد يعمل أعمالاً ظاهرها الإخلاص وفيها شيء من إرادة الدنيا وإرادة وجوه الناس، مثل الحج، فيحج لأجل أن يحصل على مال يدفع له من أجل الحج، كأن يعطيه أحد الناس مالاً ويقول: لتحج عن فلان، فهو يحج لأجل هذا المال فقط ولو لم يأته المال ما حج، فهذا عمله من أجل الدنيا ولا خير فيه.

ولهذا يقول العلماء في مثل هذا: إذا كان الإنسان يحج ليأخذ المال فهذا لا خير في عمله، أما إذا كان يأخذ المال ليحج، أي أنه يتقوى به على الحج؛ لأنه لا يستطيع أن يحج بلا مال، فهذا هو الذي يجوز فعله، أما إذا كان يحج لأجل أن يتاجر بالحج فيأخذ المال من أجل ذلك، فهذا عمل للدنيا وهو داخل في الوعيد، وغير ذلك من الأمور التي سيذكرها الشارح في هذا الباب.

قال المصنف: [باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.

وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].

وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع)].

قوله رحمه الله: (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا): المقصود بالعمل العمل الذي يكون للآخرة، فمن عمل عملاً للآخرة مثل الصلاة والصوم والحج والصدقة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما أشبه ذلك من القربات التي رتب الله عليها الجزاء وهو يريد به الدنيا، فإنه داخل في وعيد هذه الآية.