للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المذهب الحق في نصوص الصفات إمرارها كما جاءت دون تأويل أو تعطيل]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [الزمر:٦٧] الآية، أي: من الأحاديث والآثار في معنى هذه الآية الكريمة.

قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى: يقول تعالى: ما قدر المشركون الله حق قدره حتى عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته، قال مجاهد: نزلت في قريش، وقال السدي: ما عظموه حق عظمته، وقال محمد بن كعب: لو قدروه حق قدره ما كذبوه، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره].

هذه الأقوال كلها حق، ولكن المفسرون عادتهم أن كل واحد يذكر الشيء الذي يناسب السامع الذي يسمع، فيذكر بعض المعنى.

وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية، ومذهب السلف فيها وفي أمثالها: إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية) متفق عليه.

وفي رواية لـ مسلم: (والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الله).

وفي رواية للبخاري: (يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع) أخرجاه].

هذا حديث متفق عليه رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما -وغيرهما من أئمة الحديث- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء حبر من أحبار اليهود) والحبر هو العالم، وهو يهودي لم يسلم فقال: يا محمد! وهكذا عادة اليهود يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه، وما يخاطبونه بما أمر الله أن يخاطب به؛ لأن الله جل وعلا يقول: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣] يعني: لا تقولوا: محمد بن عبد الله، ولكن قولوا: رسول الله، نبي الله.

فقال: (يا محمد إنا نجد -يعني: في التوراة التي نزلت على موسى وتوارثوها- أن الله يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء على أصبع، والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الملك أنا الملك، أين ملوك الدنيا؟ أين الجبارون المتكبرون؟) هذا حين يقبضهم بيده جل وعلا، فيصبحوا كلهم في قبضته، وقد قال الله جل وعلا في هذه الآية: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يعني: ما عظموه التعظيم الذي يجب له، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

فلما قال اليهودي هذا الكلام؛ ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقاً لما قال هذا الحبر، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} إلى آخرها.