قوله:(فَإِنْ تَوَلَّوْا) يعني: إن أبوا قبول ما جئتهم به، وأبوا اتباعك ونصحك مع شدة الرأفة والرحمة وشدة الحرص عليهم، إذا أبوا ذلك وامتنعوا (فقل حسبي الله) يعني: الله يكفيني (حسبي الله لا إله إلا هو) يعني: هو إلهي، وعليه اعتمادي، وهو كافيّ.
(عليه توكلت) وهو نعم الوكيل جل وعلا (فقل حسبي الله لا إله إلا هو) يعني: لا معبود ولا مألوه أتعبده وأخضع له وأذل له وأعتمد عليه وأتوكل عليه إلا هو جل وعلا، فهذا أمره جل وعلا الخاص بذلك في دعوته وفي كونه لا يحزنه المخالفات، لا يحزن إذا خولف، وإذا أبى القوم أن يقبلوا ما جاء به فإن عليه أن يقول:(حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) يعني: اعتمادي عليه، وهو الذي يكفي من اعتمد عليه، وهو رب العرش العظيم الذي هو أعظم المخلوقات وأكبرها، وإضافته إليه تدل على التعظيم والتشريف والتكريم، فإذا كان رب العرش العظيم فكل شيء تحت قهره، وتحت سلطانه، وفي قبضته؛ فلا يهمك كونهم خالفوا، أو كونهم أبوا، فإنهم في قبضة الله، وسوف يعذبهم العذاب الذي يستحقونه.
وجه الدلالة من هذه الآية ظاهر، وهو أن الله جل وعلا وصف رسولنا صلى الله عليه وسلم بالحرص على ما ينفعنا، فهو حريص على إيماننا، ويشق عليه الشيء الذي يعنتنا ويشق علينا؛ فلا بد أن يبين البيان الذي يكون فيه حمايتنا من الوقوع في المخالفات، ولا بد أن يحضنا الحض الذي يكفي في كون الإنسان يعبد ربه، ولا تكون العبادة لغيره بوجه من الوجوه.