للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التنجيم وأقسامه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في التنجيم] التنجيم: تفعيل نسبة إلى النجوم، يعني: الأفعال التي تعتقد في النجوم.

والتنجيم قسمه العلماء إلى قسمين: قسم شرك بالله جل وعلا، وهذا الذي جعل المصنف يدخل التنجيم في كتاب التوحيد.

وقسم آخر جائز لا بأس به، وإن كان بعض العلماء ينهى عن التوغل فيه، والإكثار منه.

أما القسم الأول: فهو الاستدلال بسير النجوم وطلوعها وأفولها على الأمور المستقبلة من الحوادث، كهبوب الرياح، ونزول الأمطار، وحدوث الأمراض، وقيام الحروب، وما أشبه ذلك مما يحدث في الأرض، ولهذا عرف ذلك بعض العلماء، فقال: هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، والأحوال الفلكية يعني: السير والطلوع والأفول، واقتران بعض النجوم ببعض، وليس المقصود باقترانها أنها تلتصق، ولكنها تتقارب في رأي العين، فيظن الرائي أنها اقترنت، ويسمى ذلك التقارب اقتراناً، فكل ما يضاف إلى النجوم من أن لها تأثيراً في الحوادث، وفي النفوس، والسعود، والأرزاق، والإفقار، أو غير ذلك فهو من الشرك.

وهذا القسم له أقسام عدة، وكلها من الشرك، ومنه ما يكون عند المنجمين، كقولهم: إن الإنسان إذا ولد في النجم الفلاني أو في الفلك الفلاني يكون له كذا وكذا وكذا، وإذا سافر في النجم الفلاني يكون له كذا، ويحصل له كذا، وإذا تزوج بالنجم الفلاني يحصل له كذا، وإذا عقد صفقة من تجارة أو غيرها في النجم الفلاني يحصل له ربح أو يحصل له خسارة أو ما أشبه ذلك، وهذا لا يزال مستعملاً إلى اليوم؛ يستعمله كثير من الناس، فهذا من أقل هذه الأنواع، ومع ذلك فهو من الشرك -نسأل الله العافية-؛ لأن النجوم ليس عندها تصرف، وليس عندها تأثير، وإنما هي مدبَرة مسخرَة، تسير بأمر الواحد القهار جل وعلا، مطيعة خاضعة لربها جل وعلا.

وقسم آخر وهو: أن هذه الكواكب لها روحانيات، وهذه الروحانيات تتصرف عندما يُخضع لها، وتُنادى وتطاع، فتنفع وتضر، وهذا فعل المشركين القدامى كقوم إبراهيم عليه السلام وغيرهم؛ فإنهم كانوا يعبدون الكواكب يعتقدون فيها، ولهذا ناظرهم إبراهيم عليه السلام فأبطل عبادتهم، فإنه نظر إلى كوكب فقال -من باب المناظرة: {قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام:٧٦]، والتقدير: أهذا ربي؟ {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:٧٦]، والأفول هو: الغروب؛ والإله لا يغيب، وغيبوبته تدل على أنه يجهل، وأنه غير كامل، وكذلك قال في القمر وفي الشمس، ثم بعد ذلك قال لهم: {كَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:٨١]، ثم بين الحكم فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} يعني: بشرك {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢]، فهذا التنجيم من أعظم الشرك وأكبره، ومثل هذا لا يحصل إلا لمن كفر بالله جل وعلا وكفر بشرعه.

وقسم ثالث: وهو ربط الأحوال التي تكون في الأرض بهذه الكواكب ربطاً لا ينفك عنه، وهذا زعم باطل أيضاً، وقد يستعمله بعض من يدعي الإسلام، فيستدلون على الأحوال التي تكون في الأرض بطلوع الكواكب أو غروبها، أو كون الكوكب الفلاني في البرج الفلاني، أو كونه في وقت كذا، وهذا كثير أيضاً، وهو نوع من الشرك، وكل هذا داخل فيما ذكر.

أما القسم الذي هو جائز: فهو الاستدلال بالأجرام السماوية على الجهات، وعلى الأوقات، والأعداد، وكذلك الأبعاد، والتفكر في ذلك، فهذا جائز، وهذا هو الذي يسمى الآن بـ (علم الفلك)، وقد وضعت له الأرصاد والمناظر المكبرة والمقربة، فصار هذا العلم يختلف عن العلم السابق، وهذا العلم نهى العلماء عن الإيغال فيه؛ لأن أقل ما فيه أنه يشغل عن ما هو أفضل منه، ومع ذلك لا ينكر مثل هذا، وهو ليس مقصوداً في الباب.