للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب توحيد الله بالعبادة]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: ليس لي من الربوبية ولا من الإلهية شيء، بل ذلك كله له وحده لا شريك له، أوحاه إلي: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: يخافه: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠].

قوله (أحداً): نكرة في سياق النهي تعمه، وهذا العموم يتناول الأنبياء والملائكة والصالحين والأولياء وغيرهم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة وقالوا: لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى يوم القيامة، وذكر الأدلة على ذلك.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الآية: أي: كما أن الله واحد لا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية، فالعمل الصالح هو: الخالص من الرياء، المقيد بالسنة].

والدليل على هذا أن الله جل وعلا تفرد بالخلق والإيجاد والتصرف، فهذا الدليل لا ينكره أحد، ويقر به كل أحد، لا أحد يقول: إن فلاناً هو الذي خلق السموات مع الله، أو ما أشبه ذلك، كل الناس يقرون بأن الله هو الخالق وحده، وهو الذي يملك الكون كله وحده.

فهذا دليل على وجوب عبادته وحده، فإذا كان هو المتفرد بالخلق والإيجاد والتصرف فإنه يجب أن يفرد بالتأله والقصد والإرادة، وأن يكون العمل له وحده خالصاً، وهذا هو الذي استدل الله جل وعلا به على الكفار في آيات كثيرة، كقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١] يعني: أنتم تقرون وتعترفون أنه هو الذي خلقكم، وخلق من قبلكم، ويخلق من بعدكم، ولا يشاركه في ذلك أحد، فكيف تجعلون له أنداداً وأنتم تقرون بهذا؟ {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] فهم يعلمون أن الله هو الخالق لهم وحده، ولمن قبلهم وبعدهم، ويقرون بأنه هو الذي جعل الأرض على هذه الصفة التي يمكن للإنسان الانتفاع منها، كالفراش الذي يتمكن من الجلوس عليه والانتفاع به.

والسماء جعلها بناءً مرفوعة يشاهدونها، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الأرض ما يأكلونه وتأكله بهائمهم التي ينتفعون بها، فقد كانوا يقولون: إن الله هو المتفرد بهذا، وليس معه أحد، وهذا معنى قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

إذاً: الأنداد التي يجعلونها ليست في الخلق، وإنما هي في التوجه والقصد والعبادة، فصار توحيد الربوبية دليلاً على توحيد الإلهية والعبادة، وهذا فرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية؛ لأن الكفار أقروا بالأول، وجعله الله دليلاً عليهم موجباً لهم أن يعبدوا هذا الذي أقروا بأنه تفرد بالإيجاد والخلق والرزق: {أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ} هذا لله وحده، هل يوجد أحد يقول: إن عبد القادر الجيلاني هو الذي ينزل المطر وينبت النبات أو أحمد البدوي أو غيرهما؟ لا يوجد، ولكن الشيطان يأتيهم بقالب آخر يقول: هؤلاء أولياء، ومحبوبون عند الله، فإذا توجهنا إليهم وطلبنا منهم، فهم بدورهم يطلبون من الله لنا؛ فيكون هذا أقرب إلى الإجابة، وتكون وساطة قياساً على أمور الدنيا، فإن الإنسان إذا كان له حاجة عند رئيس أو معظم يذهب أولاً إلى من يعرفه أو إلى من يكون قريباً منه، فيطلب منه التوسط حتى تنجح مسألته، فقاسوا الخالق جل وعلا بالمخلوق تعالى الله وتقدس، مع أن الواجب أن يكون الفعل الذي يفعله الإنسان متقرباً به إلى الله على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، وهذا الشرك ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل نهى عنه، وهو الذي كان المشركون يفعلونه فيقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، يعني: يشفعوا لنا.