للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الحديث القدسي وغيره]

ثم ذكر الحديث، وهو حديث ثابت وصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر) فهذا يسمى حديث قدسي، نسبة للرب جل وعلا أنه قاله وتكلم به، والقداسة هي التنزيه والطهارة؛ لأن الله منزه عما يصفه به الظالمون.

والحديث القدسي اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال: إن معناه من الله ولفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول يضيف ذلك إلى الله جل وعلا، ولكن هو الذي يتلفظ بالكلام، ويقوله، ولهذا قالوا: يجوز روايته بالمعنى.

القول الثاني وهو الصواب: أن معناه ولفظه من الله، ولكنه ليس كالقرآن يتعبد بتلاوته، وذلك أن كلام الله جل وعلا لا ينحصر لا في القرآن ولا في الإنجيل ولا في غير ذلك، ولهذا يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم قول الله جل وعلا الذي يقوله في الوقت الحاضر وفي المستقبل، ويكون هو قول لله مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فيُغفر له؟! هل من سائل فيُعطى؟!) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما أن الله يقول لآخر من يخرج من النار من أهل التوحيد: (لعلك تسأل غير ما سألت! فيقول: لا يا رب، ويعطي المواثيق والعهود أنه لا يسأل غير ذلك، ثم إذا أعطي ما سأل رأى شيئاً أحسن منه، فيبقى صابراً ما شاء الله أن يصبر ثم يسأل ربه ذلك الذي رآه، فيقول الله جل وعلا له: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! إلى أن قال له: اذهب فادخل الجنة فإن لك ما رأيت).

وغير ذلك من القول الكثير الذي يذكره النبي صلى الله عليه وسلم عن الله جل وعلا، فهو قوله بالمعنى واللفظ، وإلا فإن كل ما يذكره، وكل ما جاء به فمعناه من الله، فإذاً: لا يكون هناك فرق بين الحديث القدسي وبين الحديث النبوي؛ لأن المعنى من الله، لقول الله جل وعلا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].